قصة قصيرة : بقلم علي الصيرفي
نوبة صرع :D
جلس خلف جدار بيتهم الطيني ،وراح يعد الساعات المتبقية من يوم الجمعة ،حيث سيعود ثانية إلى العمل في المدينة ،كانت الدقائق أسرع من أن يحصيها ، وغياب الشمس بدأ ينهض من غفوته للرحيل تاركاً خلفه أشباح الظلام .
عند الصباح ركب سيارة القرية وسط لغط كثير من الكلام والحوارات التي دارت بين الركاب ، فكل واحد منهم متجه إلى مكان في المدينة ، ويرجو أن ينجز عمله قبل عودة الحافلة إلى القرية .
سأل نفسه إلا ّ أنا لن أزاحمَ أحداً على العودة لأنني سآوي إلى تلك الغرفة التي تعودت النظر في جدرانها ، وتلك العناكب التي تغزوها وتنسج شباكها في كل زوايا الغرفة وجارتنا المسكينة ،تصدق بكل قواها العقلية أن القط بسبعة أرواح وبأن الرأس لا يمكن أن يخف وجعه من حبة دواء تنزل في المعدة فتشفي الرأس ،كانت تندب حظها باستمرار وتقول لي:
- ولدي فريد ،لم أنجب غيره يا بني ،وهذه الدكان ملأتها بالبضائع ليتمكن من الصمود في درب التجارة ،أريده أن يصبح تاجراً ، كنت أضحك لحديثها ... وأقول لها :
- تاجر دفعة واحدة ! يا أم فريد
- نعم أريده تاجراً يا بني ، خرجت لتوي من البيت ، شعرت بنشاط غريب يسري في جسدي ،وصلت إلى المديرية التي أعمل بها ، كنت الأصغر سناً في مكتبنا أما الباقون فهم في الأربعين والخمسين من عمرهم ، كانت المديرية تضج بالموظفين والموظفات.
المراجعون يملؤون ردهات المكان بأسئلتهم واستفساراتهم ، جلست خلف طاولتي ورحت أُقلب أوراق بعض المعاملات .
قفزت في فنجان القهوة ،غصت فيه ،صار اللون البني يغلق عيني ويسد منافذ الهواء عليّ ، وضمن إحدى الفقاعات وجدت نفسي في داخلها محاطاً بحديقة مليئة بالورود والرياحين ،وأميرة رائعة الجمال تداعب عصفوراً موضوعاً في قفص ٍ ذهبي ٍ ،اقتربتُ منها هبت ريحٌ قوية لم أعد أقدر أن أرفعَ قدميّ كي أمشيَّ ، لأن ذلك سيؤدي إلى جرفي مع الريح العاتية ، صرخت لها كي تساعدني من المأزق الذي أنا فيه كانت الحنة ترسم أجمل الوشوم على قدميها وكفيها ،حاولتْ أن تقرأ كلماتي من خلال حركة شفتي ،فصوتي لا يصلُ لها ، جاء الحارسُ الضخم ، أدخل الأميرة في عربة لم أر مثلها من قبل ،وتركاني في قلب العاصفة ، اشتدت الريحُ ،طرتُ في أعلى القمع ودارت الدنيا تحتي ، صور كثيرة كنت ألتقي بها في ذاك القمع العجيب ، شاهدت شخصيات تاريخية ذات أهمية كبرى هولاكو وشارون والناطق الرسمي للبيت الأبيض وبعض براميل النفط والكثير من الرعيان، والحجاج يلف رأسه الموجوع بعصبة من الليف، فالقيح ينزف من عينيه،صرخت بأعلى صوتي
- أبا يوسف .... مهلاً ، تلاشى قبل أن يسمع ندائي ، قذفني القمع الهائج إلى قمع أكبر وأكثر تعقيداً ، كان مملوءاً بالأطفال والنساء ،وبعض الحيوانات المفترسة وكلاب بوليسية مخيفة ، قلت في نفسي ياخوفي أن أصبح وجبة لأحد هذه الحيوانات ،فأنا أضعف أن أصمدَ بين فكي تمساح من هذه الكائنات القاتلة ،أغمضت عيني ،وبدأت بالانكماش على نفسي ضمن ملابسي التي لاحظت اتساعها، وبعد ثوان وجدت نفسي صغيراً جداً مغطى بأكوام من القماش ، عرفت بأنها ملابسي الكبيرة بعد أن تلاشيت ُ وصرت ُ لا أعرفُ ماذا أسمي هذا الموقف ، أحد الموظفين الذين أعرفهم اعتادَ على سرد الوقائع الملفقة واغتياب الآخرين ، كانت ذراعه مفتتة بين فكي ضبع ٍ أغبرَ وهي تحمل ورقة نقد ، والدم يقطر منها ، غادرني الخوف عندما رأيت رجلاً مجرماً في غيبوبة وأنابيبَ كثيرة متدلية منه ،وأطفال صغار يشيرون إليه بأصابعهم ،كلمات كثيرة لم أفهمها ،وامرأة منفوخة البطن ،وجبران يقرأ قصائد عشق مع جلجامش والظاهر بيبرس يشرب كأس التعارف مع أودونيس الذي انطلق مطعوناً بأنياب خنزير ،كان الفنجان يغلي وبدأ الفوران يصارع حب البقاء داخل الدائرة ،حملتني رغوة القهوة نحو الأعلى وقذفت بي تدحرجت فوق أرض الغرفة ،ركض نحوي أكثر من رجل وامرأة قالوا لي :
- ما بك !! لقد خفنا عليك يا رجل ،كنت تتلوى على الأرض كمن مسه جن ، أو جاءته نوبة صرع ...
علي الصيرفي
البريد الألكتروني :
aliserafi@maktoob.com
نوبة صرع :D
جلس خلف جدار بيتهم الطيني ،وراح يعد الساعات المتبقية من يوم الجمعة ،حيث سيعود ثانية إلى العمل في المدينة ،كانت الدقائق أسرع من أن يحصيها ، وغياب الشمس بدأ ينهض من غفوته للرحيل تاركاً خلفه أشباح الظلام .
عند الصباح ركب سيارة القرية وسط لغط كثير من الكلام والحوارات التي دارت بين الركاب ، فكل واحد منهم متجه إلى مكان في المدينة ، ويرجو أن ينجز عمله قبل عودة الحافلة إلى القرية .
سأل نفسه إلا ّ أنا لن أزاحمَ أحداً على العودة لأنني سآوي إلى تلك الغرفة التي تعودت النظر في جدرانها ، وتلك العناكب التي تغزوها وتنسج شباكها في كل زوايا الغرفة وجارتنا المسكينة ،تصدق بكل قواها العقلية أن القط بسبعة أرواح وبأن الرأس لا يمكن أن يخف وجعه من حبة دواء تنزل في المعدة فتشفي الرأس ،كانت تندب حظها باستمرار وتقول لي:
- ولدي فريد ،لم أنجب غيره يا بني ،وهذه الدكان ملأتها بالبضائع ليتمكن من الصمود في درب التجارة ،أريده أن يصبح تاجراً ، كنت أضحك لحديثها ... وأقول لها :
- تاجر دفعة واحدة ! يا أم فريد
- نعم أريده تاجراً يا بني ، خرجت لتوي من البيت ، شعرت بنشاط غريب يسري في جسدي ،وصلت إلى المديرية التي أعمل بها ، كنت الأصغر سناً في مكتبنا أما الباقون فهم في الأربعين والخمسين من عمرهم ، كانت المديرية تضج بالموظفين والموظفات.
المراجعون يملؤون ردهات المكان بأسئلتهم واستفساراتهم ، جلست خلف طاولتي ورحت أُقلب أوراق بعض المعاملات .
قفزت في فنجان القهوة ،غصت فيه ،صار اللون البني يغلق عيني ويسد منافذ الهواء عليّ ، وضمن إحدى الفقاعات وجدت نفسي في داخلها محاطاً بحديقة مليئة بالورود والرياحين ،وأميرة رائعة الجمال تداعب عصفوراً موضوعاً في قفص ٍ ذهبي ٍ ،اقتربتُ منها هبت ريحٌ قوية لم أعد أقدر أن أرفعَ قدميّ كي أمشيَّ ، لأن ذلك سيؤدي إلى جرفي مع الريح العاتية ، صرخت لها كي تساعدني من المأزق الذي أنا فيه كانت الحنة ترسم أجمل الوشوم على قدميها وكفيها ،حاولتْ أن تقرأ كلماتي من خلال حركة شفتي ،فصوتي لا يصلُ لها ، جاء الحارسُ الضخم ، أدخل الأميرة في عربة لم أر مثلها من قبل ،وتركاني في قلب العاصفة ، اشتدت الريحُ ،طرتُ في أعلى القمع ودارت الدنيا تحتي ، صور كثيرة كنت ألتقي بها في ذاك القمع العجيب ، شاهدت شخصيات تاريخية ذات أهمية كبرى هولاكو وشارون والناطق الرسمي للبيت الأبيض وبعض براميل النفط والكثير من الرعيان، والحجاج يلف رأسه الموجوع بعصبة من الليف، فالقيح ينزف من عينيه،صرخت بأعلى صوتي
- أبا يوسف .... مهلاً ، تلاشى قبل أن يسمع ندائي ، قذفني القمع الهائج إلى قمع أكبر وأكثر تعقيداً ، كان مملوءاً بالأطفال والنساء ،وبعض الحيوانات المفترسة وكلاب بوليسية مخيفة ، قلت في نفسي ياخوفي أن أصبح وجبة لأحد هذه الحيوانات ،فأنا أضعف أن أصمدَ بين فكي تمساح من هذه الكائنات القاتلة ،أغمضت عيني ،وبدأت بالانكماش على نفسي ضمن ملابسي التي لاحظت اتساعها، وبعد ثوان وجدت نفسي صغيراً جداً مغطى بأكوام من القماش ، عرفت بأنها ملابسي الكبيرة بعد أن تلاشيت ُ وصرت ُ لا أعرفُ ماذا أسمي هذا الموقف ، أحد الموظفين الذين أعرفهم اعتادَ على سرد الوقائع الملفقة واغتياب الآخرين ، كانت ذراعه مفتتة بين فكي ضبع ٍ أغبرَ وهي تحمل ورقة نقد ، والدم يقطر منها ، غادرني الخوف عندما رأيت رجلاً مجرماً في غيبوبة وأنابيبَ كثيرة متدلية منه ،وأطفال صغار يشيرون إليه بأصابعهم ،كلمات كثيرة لم أفهمها ،وامرأة منفوخة البطن ،وجبران يقرأ قصائد عشق مع جلجامش والظاهر بيبرس يشرب كأس التعارف مع أودونيس الذي انطلق مطعوناً بأنياب خنزير ،كان الفنجان يغلي وبدأ الفوران يصارع حب البقاء داخل الدائرة ،حملتني رغوة القهوة نحو الأعلى وقذفت بي تدحرجت فوق أرض الغرفة ،ركض نحوي أكثر من رجل وامرأة قالوا لي :
- ما بك !! لقد خفنا عليك يا رجل ،كنت تتلوى على الأرض كمن مسه جن ، أو جاءته نوبة صرع ...
علي الصيرفي
البريد الألكتروني :
aliserafi@maktoob.com