صحيفة تشرين
الاحد 12 تشرين الأول 2008
د. رغداء مارديني
غيب الموت صباح أمس العلامة والمفكر الكبير الأستاذ الدكتور عبد الكريم اليافي عن عمر ناهز التاسعة والثمانين عاماً، زخرت بنور علم وقاد ترك فيها الراحل الكبير إرثاً فكرياً وأدبياً ونقدياً لأجيال طالما تعطشت إلى معين معرفته الموسوعية التي قدمها على مدى عمره راضياً لا تفارق محياه البسمة التي تخفي وراءها تواضع العلماء الجم.
آثاره ومؤلفاته كثيرة، وقد جالت في ميادين علوم صعبة المناهل، في الاجتماع والفلسفة، والرياضيات، والأدب العربي، وفلسفة علم الجمال، والتصوف...إلخ حتى استحق عن جدارة وسام الاستحقاق من الدرجة الممتازة الذي أتى تكريماً كبيراً من السيد الرئيس بشار الأسد، وتتويجاً لفكر عالم جليل ترك نتاجاً معرفياً لأجيال تفخر أنها تتلمذت على علم الراحل الموسوعة.
وكان الأستاذ الدكتور غياث بركات وزير التعليم العالي قد نعى الراحل الكبير أحد رواد الجامعة الكبار، وأبرز مفكريها باسمه وباسم أسرة وزارة التعليم العالي، إضافة لكونه عضواً فعالاً ومؤسساً في مجمع اللغة العربية الذي نعاه بدوره واحداً من أعلام الفكر في الوطن العربي..
كما نعى الدكتور رياض نعسان آغا وزير الثقافة باسمه وباسم مثقفي سورية فقيد الثقافة الكبير بنص جاء فيه: ببالغ الحزن تنعى وزارة الثقافة العالم والمفكر الموسوعي والأديب الناقد المبدع والبروفسور المربي الكبير الدكتور عبد الكريم اليافي.. وبرحيل اليافي تفقد الثقافة العربية علاّمة ضخماً أمضى حياته كلها في خدمة حضارة أمته ونشر ثقافتها، وقد اشتهر رحمه الله بموسوعيته المعرفية.. ونال شهادات عديدة من الجامعات الفرنسية في علم النفس والمنطق وتاريخ العلوم وعلم الاجتماع والأخلاق..
اتحاد الكتاب العرب نعى أيضاً الراحل الكبير الذي كان أول رئيس تحرير لمجلة التراث العربي الصادرة عن الاتحاد.. وبوصفه كاتباً شغلت مؤلفاته ذات الموضوعات المنوعة والمتميزة رفوف المكتبات العربية فقد غدا سجلاً تاريخياً هاماً.
ولد الراحل الكبير في مدينة حمص عام 1919، وتلقى تعليمه فيها على أيدي أئمتها في القرآن والحديث واللغة، ونال الثانوية العامة «فرع الرياضيات» ثم التحق بطلبة الطب في جامعة دمشق، لكنه لم يتابع الدراسة فيها لإيفاده ضمن بعثة لدراسة العلوم الطبيعية في فرنسا، حيث نال الإجازة في العلوم الرياضية والطبيعية عام 1940، وإجازة الآداب عام 1941، ودكتوراه في الفلسفة عام 1945.. إضافة إلى الشهادات الآتية في الدراسات الفلسفية العليا: علم النفس العام، فلسفة الجمال وعلم الفن، المنطق والفلسفة العامة، تاريخ العلوم وفلسفتها، علم الاجتماع والأخلاق، عمل مدرساً في حمص، وفي قسم الفلسفة بجامعة دمشق، وصار خبيراً أول في علم السكان لمركز الديمغرافيا في معهد العلوم الاجتماعية بدمشق، وعضواً في مجمع اللغة العربية بدمشق، وعضواً في هيئات عربية ودولية، والمجلس الأعلى للآثار في وزارة الثقافة..
ألف الراحل الكبير العديد من الكتب والدراسات العلمية المهمة نذكر منها: تمهيد في علم الاجتماع، في علم السكان، الفيزياء الحديثة والفلسفة، دراسات فنية في الأدب العربي، الشموع والقناديل في الأدب العربي، المعجم الديمغرافي متعدد اللغات، جدلية أبي تمام، معالم فكرية في تاريخ الحضارة العربية الإسلامية، معجم مصطلحات التنمية الاجتماعية في العلوم المتصلة بها، تقدم العلم، دراسات اجتماعية ونفسية..
يشيع جثمان العلاّمة اليافي عند الساعة الثانية عشرة من ظهر اليوم من مشفى الشامي إلى مقبرة باب الصغير بدمشق، وبرحيله تكون الساحة الثقافية قد خسرت علماً من أبرز أعلام الفكر والثقافة في الوطن العربي..
أسرة «تشرين» تتقدم من زوجته وابنته الدكتورة شادن اليافي وأهله، وذويه وأقربائه، وأصدقائه، وتلامذته من أدباء ومفكرين وكتّاب، بخالص العزاء.. «إنا لله وإنا إليه راجعون».