تيار الوعي والواقع النفسي في مجموعة الأشكال
إن ترتيب النفس البشرية ، وسلوكيتها مسألة واسعة وسع العالم وليست حياة المجتمع مرتبطة بها فحسب ، بل وبالآلام والأفراح الجماعية أيضاً فقد تقود إلى تقليص الإمكانات وإلى المرض والإخفاق ،فالسلوكية سلسة غير محدودة يجب النظر إليها بعقلية شمولية لا من بعج يلائم سلوكياتنا (الأنا) فالقص له دور عليه أن يقود إلى معرفة وإلى الحقيقة والتوازن ، حيث يسعى القاص نحو تنوير الاستعدادات النفسية وسوية توازنها .
إن حسيب كيالي القاص الرائد سجل حقبة زمنية بدقة وعناية تناولت حياة الفرد العربي مصورة أدق الظروف المحيطة بها متعمقاً في أغوارها ، حيث الذات تغرق في أتون الشهوات ، والألم والإحباط في تراكمات الهم العربي وزمن الصمت القاتل حيث استوعب القاص التناقضات الأساسية التي يرتكز عليها المجتمع ، فهو يراقب سير من رؤيته الشعبية ، حيث يصور التناقضات القائمة بين التطور الروحي وبين الظروف الاجتماعية غير المواتية لهذا التطور ،فيشكك حسيب كيالي بالحياة السعيدة في ظل الأنظمة الاجتماعية معبراً عن خوفه تهكماً وسخرية منها وتظهر آلية الصراع وجدليته صيرورة المسار الخاطئ مظهراً الصفات التي تخص التطور الإنساني العام ، فهو يصر على العمل الدؤوب والتربية حتى نخرج بنتيجة مرضية ، ويعيد المزاج إلى مظهره المألوف مباشرة ويعكس الظل المتكلم في عمق التجربة النفسية المحطمة ، حيث يروض انعكاساتها وشراستها.
ليس من الصعب أن تفهم كيف يمكن للإنسان الأناني أن يكون قائدا ًومفكراً ، حيث يختفي الفرق بين القوة والطبيعة ، فالنزول إلى أعماق الحقيقة أو الوقائع الأساسية هي الدلالة على الطريقة التجريبية الصحيحة .
إن جميع الحقائق ومحاولة تجنب النماذج الإعلامية تلك التي رآها القاص قانعاً بأنه يراها في الحقائق ذاتها ، وهي الطريقة النمطية التي يعمل فيها عقل القاص حتى في الأوقات التي يقدم فيها العلم فهو يظهر الميل إلى البنى الكونية القديمة –والمتناقضة – وهذه إحدى المصادر الرئيسية لهذا الخلط ، وهو مكون أمانته لهذا الواقع .
إن التجربة الأدبية لـ( حسيب كيالي) من الصعب تجاوز معطياتها بسهولة فهو يسجل توتر النفس وتراكم الحدث من خلال نسيج دقيق متناغم متداخل حيث من الصعب أن تفلت منه اللقطات السريعة للتغيرات الداخلية ومنعكساتها الخارجية على شخوصه وخصائصهم .
( وضعت الكتاب من يدي على القاطع وقلت لها وأنا أنهض :
-لا تخافي لو كانوا( هم) لكان للرنين لهجة أخرى )ص5
إنها لحظة الترقب والحذر وتطاول الأشياء في محاكاته للحدث ، فالخوف سيد المواقف ، رغم تعليب الجلادة والصلابة ، فالخوف كامن في أعماق النفس والمجهول يحمل في عباءته أشكالاً مختلفة للرعب ، والطارق ، والطارق في وقت غير مرغوب به يثير الدهشة واندلاق الأمعاء من الفم في تلك الحقبة من الخمسينات .
إن هذا الخوف الجمعي لدى المجتمع ،ربما كان موروثاً في رأي حسيب كيالي .
- لا تفتح أنت اتركني أنا أفتح (هم) لا يأخذون النسوان)ص5
تلك هي النفسية الموروثة عن هامشية المرأة وعدم الاكتراث بها غير أن الخوف كان قد هدم كيانها وسحق شخصيتها .
( أكان هذا الفزع من طارق الليل مرتبطاً بصلة مع ست ستها ؟من يدري همست باسماً)ص5
مازال الخوف هو المسيطر حتى الهرة في مثل هذا المجتمع تخاف من القادم في الليل ، وتتداخل التموجات النفسية في عمق البئر الذي أخذ يتسلقه (حسيب) فالدعاء الذي لوحت به أمه بعد أن اطمأنت ، يعبر عن عفويتها .
( - الله يحميك ويحمي أولاد أمة محمد .
قلت ضاحكاً، لكن إلياس مسيحي ؟ قالت أمة عيسى) وينطلق الوعي الذاتي لدى الكاتب فيبين أن ارتباطه بتلك الجماعة كان( فزعة ) عرب جرهم إليها (عزمي ) دونما تفكير واقتناع ،فلسان عزمي يخرج الحية من وكرها ) ص6
إن النفس العربية تركن إلى البلاغة والسلاسة ، وبراعة الاختيار والانتقال ، فقد تنطوي هذه الطريقة على محذور هو أن الفرد قد لا يتوصل إلى أن يفهم الصلة بينه وبين الإنسانية ، وإنه يبقى موقناً بأن حالته فريدة ، وتعوم فكرة الاضطهاد في ملامح تقلب الحدث والتراكم الكمي في معطياته ،
(هبط قلبي على سفح قاسيون ،كانت الأضواء تختلج وتتهامس )ص6
أليس هذا الاغتراب النفسي صورة مشوهة لملايين من الشخوص الاجتماعية الذين يتكاثرون على سطح الوطن ووهاده .
(فصيل من أكرم مناضلينا مدفونون الآن في معسكر اعتقال صحراوي ، الأنباء تتوارد تترى عن العذابات التي تنزل بهم)ص6
وترتقي الحالة النفسية إلى غوص في عمق النفس العربية حيث الرمز يحارب الواقع ليرسم الحدث المتفتق عن صور إضافية لمجمل الهرب اللاشعوري من كل المعطيات والانعتاق الكامل من القيم .
(أنتم تعلمون : بعض أجدادنا العرب كانوا لايصبرون على القعود دونما صنم كان أحدهم يصنع صنماً من التمر يعبده حتى يجوع ،وحينئذ يأكله) ص19
إنها دلالة جدلية رائعة تحمل كل التناقضات التي تنغرس كأنصال حادة في أعماق الذات لدى شخوص حسيب ، فالتردد والتملق ثم التفسخ والانغماس في وحل الهم الهلامي حيث يتربع الرعب مسيطراً:
(وهكذا أغمضنا عيناً وفتحنا عيناً ، وإذا نحن نصنع أو يصنع لنا واحدة صنماً آخر)ص19
إن الهلوسات في أغلب الأحيان ، تحيط الفرد بأشباح وأصوات تهدده وتراقبه ، ويزعم صاحب الهلوسة أن ثمة من يدخل أعماق تفكيره ليستولي على ذاته ، لذا نرى حسيب كيالي يبين أن الظروف تخلق في عالم شخوصه ، وتفرض عليهم .
( ومثلما كان شخص الملك مشحونا ًبطاقة هائلة (خطرة ) كانت مسؤولياته العليا تتطلب علماً ومقدرة فوق طاقة البشر )ص19
لقد أظهر حسيب تعطل الذات وتداخل الاضطهاد المرتبط بفكرة العظمة حيث يبالغ المتكبر في تقدير قدراته، واقعية كانت أم خيالية ،مدخلاً لضروب الكآبة في حالة وجدانية سببها ألم معنوي فتتجلى تلك الكآبة في قسمات الوجه لدى أشخاصه.
( كان يريد مقابلة المستطيل ولكن هل مقابلة المستطيل كلمة في الفم ؟ما كان أكثر الدفش الدفع الزجر، الانتهار ! وما كان أثقل الانتظار على الأبواب ) ص34
هكذا تموت النفس ببطء شديد وتنهرس الذات تحت رحى التوسط والتوسل ،وتهرق الدموع رخيصة على أعتاب القهر في عالم الموضوع ( الكيالي)
- حرك نوابض رأسه نحو صديق السجن حركها حركة أخرى في اتجاه الخارج تعني بره )ص34
لقد احتل الإحباط أركان الفرد في عالم /حسيب كيالي / من واقع انتزعت منه كل المعطيات الأساسية للمجتمع ، حيث ينمو الهوس والفصام .
(وودت لما وصلت إلى هذه الكلمة الأخيرة أن أنهي حكايتي هنا ولا أزيد ولكن المرارة كانت في صورة محدثي ، الظلمة التي لفعت وجهه بعض المعاني التي زلقها وتخبئ :أتتوسط لي بعد أن تخرج من الحبس) ص34
لقد صار الإنسان في موضوعات (حسيب كيالي ) كالأفعى تخلع جلدها في كل فترة زمنية / غير أنها تبقى أفعى تحمل السم .
( فاتني أن أحكي لك : لم نخرج من السجن إلا بعد أن كتبونا مقالاً ليذاع في الإذاعة تتبرأ فيه من المستطيل ) ص34
إن الأفعى مازالت هي الأفعى والإحباط النفسي مرتسماً في عالم الكيالي
(وبعد أن زال حكم البيضوي ، توافد إلينا أعوان المستطيل عوداً على بدء يسألوننا أن نعود نصراء )ص35
(آه ما أ حلى أن نقع في الجورة مرتين أنا من جهتي قلت لهم :
- لا أنا عندي كلامي ) ص 35
وتتفجر الأزمات الأخلاقية فالفرد مشغول بالخير والحق ، إنه ينخرط في مناقشات حامية ، حيث الظمأ المطلق يضنيه والإلحاح الرهيب يؤكد بصورة قطعية مايجهل .
إن الفرد عند حسيب كيالي مرتبك ومن الطبيعي أن يحاول الخروج من هذا الارتباك فيبحث عن التعاطف والسند متجهاً نحو الصداقة والحب ، محاولاً إنقاذ (الأنا) فتظهر الميول الكبيرة ، والأهواء الجامحة العمياء كما تظهر أنواع النفور العنيفة ، ويشعر الفرد بالشك ، وقد يكرس الفرد نفسه ليؤكد ذاته إلى شخص يكون موضع إعجابه (مفكراً،أو قائداً )فيصل الفرد إلى حالة من الإذلال والاحتقار والإخضاع ، فيتحول العذاب إلى ماهية مادية .
إن هذه الانحرافات في سلوكيات أفراد /حسيب / ليست إلا امتداداً لحالات غير سوية تكون قاعدة سلوكية مرضية في كم اجتماعي ساذج .
(هناك يصرخ به أحد القضاة
- انبطح ولاه ابن الصرماية!
ينبطح صرخة ثانية أقوى من العواء
-اشلح صباطك ، أخو القحبة ) ص29
لقد غرق الفرد في قلق مميت وشك مخيف فالدنس يحيط بكل ما هو نقي ونظيف ، وهذه الاضطرابات والضغوط ستؤدي إلى الإحباط والانهيار .
(حيث كنا نغرق حتى الاختناق ، في مستنقع من قهر ويأس وغربة لا قعر له)ص30
قد تقوم إحدى حالات الموجود الإنساني عند حسيب على التنبؤ بنتائج بعض الأفعال ،إنه يعلم أن ولاء أفراده لهذا المستطيل سيورطهم ،إن الإنسان الجدير بهذا الاسم قادر على أن يوضح نتيجة أفعاله وأن يعقلها ويحللها.
(إن تصرخ بملء رئتيك ( دخيلكم ) وذلك قبل أن ينزل أول كرباج على رجلك ، إن من لا يصرخ يثير حنقهم (يجننهم )اصرخ ،ولول، ابك يخف عنك الجلد)ص32
إن المعرفة العميقة للذات أمر لا غنى عنه عند حسيب كيالي حيث تتضاءل الإرادة عندما تزداد الدوافع اللاشعورية فهو يحكم حيث ينهي المناقشة فيقبل الفرد النتيجة، غير أن الأمر لا يتعدى أن يكون مجموعة من المنعكسات المعقدة يركبها حسيب بعضها فوق بعض بطريقته التشكيلية ،فأي منعكس عنده هو المنتصر وهو المنعكس الأقوى .
لقد تمكن حسيب كيالي أن يربط قوة النسيج القصصي بملاحقة العامل النفسي المنسجم مع شخصيات أبطاله ليخرج في النهاية ضميراً إنسانياً ينمو بنمو الواقع.
عند حسيب كيالي
إن ترتيب النفس البشرية ، وسلوكيتها مسألة واسعة وسع العالم وليست حياة المجتمع مرتبطة بها فحسب ، بل وبالآلام والأفراح الجماعية أيضاً فقد تقود إلى تقليص الإمكانات وإلى المرض والإخفاق ،فالسلوكية سلسة غير محدودة يجب النظر إليها بعقلية شمولية لا من بعج يلائم سلوكياتنا (الأنا) فالقص له دور عليه أن يقود إلى معرفة وإلى الحقيقة والتوازن ، حيث يسعى القاص نحو تنوير الاستعدادات النفسية وسوية توازنها .
إن حسيب كيالي القاص الرائد سجل حقبة زمنية بدقة وعناية تناولت حياة الفرد العربي مصورة أدق الظروف المحيطة بها متعمقاً في أغوارها ، حيث الذات تغرق في أتون الشهوات ، والألم والإحباط في تراكمات الهم العربي وزمن الصمت القاتل حيث استوعب القاص التناقضات الأساسية التي يرتكز عليها المجتمع ، فهو يراقب سير من رؤيته الشعبية ، حيث يصور التناقضات القائمة بين التطور الروحي وبين الظروف الاجتماعية غير المواتية لهذا التطور ،فيشكك حسيب كيالي بالحياة السعيدة في ظل الأنظمة الاجتماعية معبراً عن خوفه تهكماً وسخرية منها وتظهر آلية الصراع وجدليته صيرورة المسار الخاطئ مظهراً الصفات التي تخص التطور الإنساني العام ، فهو يصر على العمل الدؤوب والتربية حتى نخرج بنتيجة مرضية ، ويعيد المزاج إلى مظهره المألوف مباشرة ويعكس الظل المتكلم في عمق التجربة النفسية المحطمة ، حيث يروض انعكاساتها وشراستها.
ليس من الصعب أن تفهم كيف يمكن للإنسان الأناني أن يكون قائدا ًومفكراً ، حيث يختفي الفرق بين القوة والطبيعة ، فالنزول إلى أعماق الحقيقة أو الوقائع الأساسية هي الدلالة على الطريقة التجريبية الصحيحة .
إن جميع الحقائق ومحاولة تجنب النماذج الإعلامية تلك التي رآها القاص قانعاً بأنه يراها في الحقائق ذاتها ، وهي الطريقة النمطية التي يعمل فيها عقل القاص حتى في الأوقات التي يقدم فيها العلم فهو يظهر الميل إلى البنى الكونية القديمة –والمتناقضة – وهذه إحدى المصادر الرئيسية لهذا الخلط ، وهو مكون أمانته لهذا الواقع .
إن التجربة الأدبية لـ( حسيب كيالي) من الصعب تجاوز معطياتها بسهولة فهو يسجل توتر النفس وتراكم الحدث من خلال نسيج دقيق متناغم متداخل حيث من الصعب أن تفلت منه اللقطات السريعة للتغيرات الداخلية ومنعكساتها الخارجية على شخوصه وخصائصهم .
( وضعت الكتاب من يدي على القاطع وقلت لها وأنا أنهض :
-لا تخافي لو كانوا( هم) لكان للرنين لهجة أخرى )ص5
إنها لحظة الترقب والحذر وتطاول الأشياء في محاكاته للحدث ، فالخوف سيد المواقف ، رغم تعليب الجلادة والصلابة ، فالخوف كامن في أعماق النفس والمجهول يحمل في عباءته أشكالاً مختلفة للرعب ، والطارق ، والطارق في وقت غير مرغوب به يثير الدهشة واندلاق الأمعاء من الفم في تلك الحقبة من الخمسينات .
إن هذا الخوف الجمعي لدى المجتمع ،ربما كان موروثاً في رأي حسيب كيالي .
- لا تفتح أنت اتركني أنا أفتح (هم) لا يأخذون النسوان)ص5
تلك هي النفسية الموروثة عن هامشية المرأة وعدم الاكتراث بها غير أن الخوف كان قد هدم كيانها وسحق شخصيتها .
( أكان هذا الفزع من طارق الليل مرتبطاً بصلة مع ست ستها ؟من يدري همست باسماً)ص5
مازال الخوف هو المسيطر حتى الهرة في مثل هذا المجتمع تخاف من القادم في الليل ، وتتداخل التموجات النفسية في عمق البئر الذي أخذ يتسلقه (حسيب) فالدعاء الذي لوحت به أمه بعد أن اطمأنت ، يعبر عن عفويتها .
( - الله يحميك ويحمي أولاد أمة محمد .
قلت ضاحكاً، لكن إلياس مسيحي ؟ قالت أمة عيسى) وينطلق الوعي الذاتي لدى الكاتب فيبين أن ارتباطه بتلك الجماعة كان( فزعة ) عرب جرهم إليها (عزمي ) دونما تفكير واقتناع ،فلسان عزمي يخرج الحية من وكرها ) ص6
إن النفس العربية تركن إلى البلاغة والسلاسة ، وبراعة الاختيار والانتقال ، فقد تنطوي هذه الطريقة على محذور هو أن الفرد قد لا يتوصل إلى أن يفهم الصلة بينه وبين الإنسانية ، وإنه يبقى موقناً بأن حالته فريدة ، وتعوم فكرة الاضطهاد في ملامح تقلب الحدث والتراكم الكمي في معطياته ،
(هبط قلبي على سفح قاسيون ،كانت الأضواء تختلج وتتهامس )ص6
أليس هذا الاغتراب النفسي صورة مشوهة لملايين من الشخوص الاجتماعية الذين يتكاثرون على سطح الوطن ووهاده .
(فصيل من أكرم مناضلينا مدفونون الآن في معسكر اعتقال صحراوي ، الأنباء تتوارد تترى عن العذابات التي تنزل بهم)ص6
وترتقي الحالة النفسية إلى غوص في عمق النفس العربية حيث الرمز يحارب الواقع ليرسم الحدث المتفتق عن صور إضافية لمجمل الهرب اللاشعوري من كل المعطيات والانعتاق الكامل من القيم .
(أنتم تعلمون : بعض أجدادنا العرب كانوا لايصبرون على القعود دونما صنم كان أحدهم يصنع صنماً من التمر يعبده حتى يجوع ،وحينئذ يأكله) ص19
إنها دلالة جدلية رائعة تحمل كل التناقضات التي تنغرس كأنصال حادة في أعماق الذات لدى شخوص حسيب ، فالتردد والتملق ثم التفسخ والانغماس في وحل الهم الهلامي حيث يتربع الرعب مسيطراً:
(وهكذا أغمضنا عيناً وفتحنا عيناً ، وإذا نحن نصنع أو يصنع لنا واحدة صنماً آخر)ص19
إن الهلوسات في أغلب الأحيان ، تحيط الفرد بأشباح وأصوات تهدده وتراقبه ، ويزعم صاحب الهلوسة أن ثمة من يدخل أعماق تفكيره ليستولي على ذاته ، لذا نرى حسيب كيالي يبين أن الظروف تخلق في عالم شخوصه ، وتفرض عليهم .
( ومثلما كان شخص الملك مشحونا ًبطاقة هائلة (خطرة ) كانت مسؤولياته العليا تتطلب علماً ومقدرة فوق طاقة البشر )ص19
لقد أظهر حسيب تعطل الذات وتداخل الاضطهاد المرتبط بفكرة العظمة حيث يبالغ المتكبر في تقدير قدراته، واقعية كانت أم خيالية ،مدخلاً لضروب الكآبة في حالة وجدانية سببها ألم معنوي فتتجلى تلك الكآبة في قسمات الوجه لدى أشخاصه.
( كان يريد مقابلة المستطيل ولكن هل مقابلة المستطيل كلمة في الفم ؟ما كان أكثر الدفش الدفع الزجر، الانتهار ! وما كان أثقل الانتظار على الأبواب ) ص34
هكذا تموت النفس ببطء شديد وتنهرس الذات تحت رحى التوسط والتوسل ،وتهرق الدموع رخيصة على أعتاب القهر في عالم الموضوع ( الكيالي)
- حرك نوابض رأسه نحو صديق السجن حركها حركة أخرى في اتجاه الخارج تعني بره )ص34
لقد احتل الإحباط أركان الفرد في عالم /حسيب كيالي / من واقع انتزعت منه كل المعطيات الأساسية للمجتمع ، حيث ينمو الهوس والفصام .
(وودت لما وصلت إلى هذه الكلمة الأخيرة أن أنهي حكايتي هنا ولا أزيد ولكن المرارة كانت في صورة محدثي ، الظلمة التي لفعت وجهه بعض المعاني التي زلقها وتخبئ :أتتوسط لي بعد أن تخرج من الحبس) ص34
لقد صار الإنسان في موضوعات (حسيب كيالي ) كالأفعى تخلع جلدها في كل فترة زمنية / غير أنها تبقى أفعى تحمل السم .
( فاتني أن أحكي لك : لم نخرج من السجن إلا بعد أن كتبونا مقالاً ليذاع في الإذاعة تتبرأ فيه من المستطيل ) ص34
إن الأفعى مازالت هي الأفعى والإحباط النفسي مرتسماً في عالم الكيالي
(وبعد أن زال حكم البيضوي ، توافد إلينا أعوان المستطيل عوداً على بدء يسألوننا أن نعود نصراء )ص35
(آه ما أ حلى أن نقع في الجورة مرتين أنا من جهتي قلت لهم :
- لا أنا عندي كلامي ) ص 35
وتتفجر الأزمات الأخلاقية فالفرد مشغول بالخير والحق ، إنه ينخرط في مناقشات حامية ، حيث الظمأ المطلق يضنيه والإلحاح الرهيب يؤكد بصورة قطعية مايجهل .
إن الفرد عند حسيب كيالي مرتبك ومن الطبيعي أن يحاول الخروج من هذا الارتباك فيبحث عن التعاطف والسند متجهاً نحو الصداقة والحب ، محاولاً إنقاذ (الأنا) فتظهر الميول الكبيرة ، والأهواء الجامحة العمياء كما تظهر أنواع النفور العنيفة ، ويشعر الفرد بالشك ، وقد يكرس الفرد نفسه ليؤكد ذاته إلى شخص يكون موضع إعجابه (مفكراً،أو قائداً )فيصل الفرد إلى حالة من الإذلال والاحتقار والإخضاع ، فيتحول العذاب إلى ماهية مادية .
إن هذه الانحرافات في سلوكيات أفراد /حسيب / ليست إلا امتداداً لحالات غير سوية تكون قاعدة سلوكية مرضية في كم اجتماعي ساذج .
(هناك يصرخ به أحد القضاة
- انبطح ولاه ابن الصرماية!
ينبطح صرخة ثانية أقوى من العواء
-اشلح صباطك ، أخو القحبة ) ص29
لقد غرق الفرد في قلق مميت وشك مخيف فالدنس يحيط بكل ما هو نقي ونظيف ، وهذه الاضطرابات والضغوط ستؤدي إلى الإحباط والانهيار .
(حيث كنا نغرق حتى الاختناق ، في مستنقع من قهر ويأس وغربة لا قعر له)ص30
قد تقوم إحدى حالات الموجود الإنساني عند حسيب على التنبؤ بنتائج بعض الأفعال ،إنه يعلم أن ولاء أفراده لهذا المستطيل سيورطهم ،إن الإنسان الجدير بهذا الاسم قادر على أن يوضح نتيجة أفعاله وأن يعقلها ويحللها.
(إن تصرخ بملء رئتيك ( دخيلكم ) وذلك قبل أن ينزل أول كرباج على رجلك ، إن من لا يصرخ يثير حنقهم (يجننهم )اصرخ ،ولول، ابك يخف عنك الجلد)ص32
إن المعرفة العميقة للذات أمر لا غنى عنه عند حسيب كيالي حيث تتضاءل الإرادة عندما تزداد الدوافع اللاشعورية فهو يحكم حيث ينهي المناقشة فيقبل الفرد النتيجة، غير أن الأمر لا يتعدى أن يكون مجموعة من المنعكسات المعقدة يركبها حسيب بعضها فوق بعض بطريقته التشكيلية ،فأي منعكس عنده هو المنتصر وهو المنعكس الأقوى .
لقد تمكن حسيب كيالي أن يربط قوة النسيج القصصي بملاحقة العامل النفسي المنسجم مع شخصيات أبطاله ليخرج في النهاية ضميراً إنسانياً ينمو بنمو الواقع.