أيام فيما بعد
الصورة السردية في تركيب بنية القص
عند الأديبة وجيهة عبد الرحمن سعيد
يكفي أن نتذكر ملامح وسمات القص ،حتى نحدد الوضعية التي يتصورها الكاتب فكل شيء يراه يدخله في حدود الدقة والفكر ، فالكاتبة وجيهة عبد الرحمن سعيد تدرك بأنّ لاشيء يدخل العقل ما لم يكن قبلاً في الحواس ، ولا تنفي ذلك من خلال فرضيات القص ، فالنقاط التي ترتكز عليها جلها ّ بنائية في الكتابة وسيرورة السرد .
فالنظر إلى العالم الخارجي إنما هو تنظيم للعالم الباطني ، الذي هو بنظرها ينبغي أن يكون مرآة للنظام الخارجي حيث أن هذه الفكرة هي الخلاصة الذاتية التي تبين لنا لم أخضعت الأدبية القص لجمالية الصورة وعنفها ، مبينة طرائق التعبير القصصية المأساوية ، فهي تعرض لحظات يتمازج فيها عقلها مع واقعية المكان وردود أفعالها تجاه تغيراته فهي تحاول إعادة استعمال الأدوات المضافة إلى المساحة الكتابية من خلال أجنحة القص الملونة ، تلك هي وظيفة القص التي تراها الأديبة وهي التعبير بتعريفات صحيحة عن الأفراد والجماعات ، عن تنوع العلاقات وتزاحم الهموم /وتقاسم القلق ، والضغوط التي تمارس على الأفراد والجماعات ، فهي لا تهرب من قسوة القهر المتقدم في أرصدت أيامها ، بل تجد ذلك أرقاماً خيالية تشرق وتغرب مع صباحاتها ولياليها .
إنها الروعة في القص تتجمع في حنايا امرأة عرفت كيف تنطوي الكلمات على مضامين النفس التي وجدت أنه من واجبها تنميتها طلباً لخير الفرد وسعادته فجمعت ذلك في دفتي مجموعتها القصصية (أيام فيما بعد )
1- الصورة السردية
تتصدر الصورة السردية أهميتها الدلالية عند الكاتبة وجيهة عبد الرحمن سعيد في تركيب بنية النص الذي يتحول بين يديها إلى قص يتجمل بتلك الجرأة الكلامية ، حيث يجعلك سردها تتصور معها ما يمكن تصوره ، فالسرد العميق والغاية في العمق عندها يتضمن صعوبات تجعلها تدرك أهمية الصورة المرسومة لدى المتلقي وكيف تعطي ثمارها عندما يفك رموزها فهي في أغلب الأحيان تصور المثال وكأنه تصوير بسيط يوضح لنا تمكن الأديبة من التعامل مع هذه التصويرية التي تنقلها لنا فالصور تظهر بقدرتها على الرسم والدقة وذلك من خلال الإمكانات اللفظية التي تتعامل معها الكاتبة .
(يا روحي الهائمة ...هلمي نوقد للفجر ناراً ... فما زالت قطرات المطر غيثاً ...يبلل حشرجة الموت فترفع كؤوس الخمر شظايا ... تعبر أبواب المتاهات وتعبر إلي سفن العائدين ، حين حدثتني عنهم العرافة وهي ترصف أحجارها )
ص 8 بقايا روح
وتستمر الأديبة وجيهة في تفسيرها لمجريات القص بالتفسير للأشياء ،فتضع العالم المعقول وترسم صور المحسوس ، وكأنما هناك عالمين يتميز أحدهما عن الآخر ، فالرمزية الجامحة في خلق الصورة السردية يؤكد مدى عمق الرؤية عندها ، فالجملة المحكية عندها صورة رمزية عميقة الأبعاد ، يتناولها المتلقي حسب قدرته على التحليل والتناغم مع أطيافها ،إنها تعرف أسرار الكلمات ودقة رمزيتها ... ففي صورتها السردية المعنونة (إنها حمراء ) تتجول بكلمات تخترق خبايا النفس المتألمة المترعة بالانهيار والتملص ، فعندما يتحول المر إلى غريب في الزمان والمكان مجرداً من الحقوق والانتماء ، تجعله الصورة أشبه بالشبح المتجول في عتم الليل هواءً لا أثر له على الأرض فسيبان الرجل اندثر في جرن القهر ، حتى رماد عظامه لا طعم لها ولا قيمة ، فليس لوجوده قيمة ، فهو لا يملك ورقة تعريف تحدد مساحة حجمه .. ولون شعره وعينيه أو تاريخ انتمائه للمكان الموجود عليه.... إنه العدم بحد ذاته محشور في قوقعته.
( ذات مرة سألته عن عمره فأخبرها بأن عمره تسعة وعشرون عاماً ، لكنها لم تصدقه فطلبت منه إبراز هويته ، وعندما أخرجها من الجيب الخلفي لبنطاله ،كانت حمراء اللون تختلف عن بطاقتها ) ص 12 إنها حمراء
هناك صورة سردية تصف الحدث المتموضع أمام الكاتبة فكأنما تريد أن تجمع كل سمات الخوف والقهر والملاحقة لمن لايملك جنسية المكان الذي يتواجد عليه الصورة السردية قدمت حالتها الحدثية ، وخلقت الفضاء الذي أرادته الأديبة ، فالصورة السردية تلك توحي بأن القيمة الإنسانية مرتبطة بتلك الورقة التي يحملها الإنسان والتي تعرف عنه فهي ورقة إما أن تكون ذات قمية أو لا .....فهذا السرد المغموس بالألم والحسرة يدل على المعاناة التي حددتها الكاتبة بقدرة تدل على تفهمها لما يحيط بالفرد الكائن في عالمها ،فهو ملاحق حتى في أحلامه ولا فسحة له إلا المعرفة والمثاقفة ،فالأديبة تريد أن تقول بأن شخوصها مثقفون يفلتون من يد المستبد بقدراتهم الفكرية .
( لماذا لا أقرأ قال بيأس التائه في عاصفة ثلجية ثم بدأ القراءة ... أي جوع للقراءة استبد به ) ص22 رصيف للهجرة
2-
إن الصورة السردية التي تنمو من خلال فعل متحرك يندرج بين الكلمة والمعطى حاملاً معه تباين الألوان السردية لكل حركة لتلك الصورة ويؤكد مدى معرفة الأديبة بتحريك الفعل التصويري للسرد ،فكل كلمة وكل نقلة تعمل على رصد شيء جديد في مكان سردي جديد وزمان يتواصل مع الصورة بجدية تغلق الصمت الذي يخلقه السرد ، فتصبح الحالة المستوحاة تتمايز من خلال المنطوق عند الأديبة ، فتجلب المكان بوصف سردي يخلق الصورة من خلال الكتابة يتلقفها القارئ فيسبح بخياله مع الأديبة ، ويسترسل عبر سيل من الرموز والاشارات مستلهماً عظمة التنقل والتماهي ، فوضع المحسوس والرمز المحمل إنما هما تعبيران عن فهم الكيفية التي هي قوام السرد ، وسر الصورة ، فالكاتبة تتقبل نوعاً من المشاركة بين السرد والتصور ، وتلك الحالة ليست أكثر من تطور بنائي للحدث .
( ضاقت جمجمته على دماغه الذي تضخم من شدة التفكير في كل مرة يقصد أحداً ما يبرر لهم عدم تكفلهم له ويصمت ثم يمضي ) ص71
3-
إن الصورة التي نقلتها الكاتبة تدل على خروج الأشكال عن مميزها ، فالجمجمة تضيق ، والدماغ يتضخم والتفكير يتعاظم وينمو ...والجماعة تتركه ويمضي في النهاية دون أن يحقق ما يريد .....إن هذا الفشل في التواصل مع الغير يجعلنا نتصور العلاقة السردية في كل كلمة حاولت الأديبة المبدعة توظيفها –فالفعل ضاقت – دل على المساحة التي تخنق الكائن رغم جهده وصعوبة تواصله ، والفعل –يتضخم – يدل على الأزمة التي لا تتناسب بحجمها مع صغر الدماغ ، والفعل يتعاظم يخرج السارد من قدراته ويلقي به في خضم الخوف ، فالكل يرمون به خارج التعامل والتواصل .
( انقضت تلك اللحظة ، اندفع بقوة ليبحث في أرجاء الغرفة ، لم يطل التفتيش وجدها مرتمية على وجهها في الطرف الآخر من السرير ، غارقة في الزبد والعرق ، حملها بين يديه ، احتضنها أبعدها عن حضنه ينظر إليها ترتعش شفتاه ، يناديها يستجديها أن ترد عليه) ص96
إنها الطريقة الجادة في رسم صورة سردية تحمل الشكل الواقعي المتمرد على فوتغرافية المكان ، فتتواتر الرسوم السردية حاملة معها الشكل المناسب للموقف المكاني المملوء بالزخم الفكري ورحابة الفضاء المحكي ، فالكاتبة ترى البعد المقصود من الصورة فترحل نحو جلاء الغبش عنها وتنويرها بالشكل المناسب لتوصيلها.....
الصورة السردية في تركيب بنية القص
عند الأديبة وجيهة عبد الرحمن سعيد
يكفي أن نتذكر ملامح وسمات القص ،حتى نحدد الوضعية التي يتصورها الكاتب فكل شيء يراه يدخله في حدود الدقة والفكر ، فالكاتبة وجيهة عبد الرحمن سعيد تدرك بأنّ لاشيء يدخل العقل ما لم يكن قبلاً في الحواس ، ولا تنفي ذلك من خلال فرضيات القص ، فالنقاط التي ترتكز عليها جلها ّ بنائية في الكتابة وسيرورة السرد .
فالنظر إلى العالم الخارجي إنما هو تنظيم للعالم الباطني ، الذي هو بنظرها ينبغي أن يكون مرآة للنظام الخارجي حيث أن هذه الفكرة هي الخلاصة الذاتية التي تبين لنا لم أخضعت الأدبية القص لجمالية الصورة وعنفها ، مبينة طرائق التعبير القصصية المأساوية ، فهي تعرض لحظات يتمازج فيها عقلها مع واقعية المكان وردود أفعالها تجاه تغيراته فهي تحاول إعادة استعمال الأدوات المضافة إلى المساحة الكتابية من خلال أجنحة القص الملونة ، تلك هي وظيفة القص التي تراها الأديبة وهي التعبير بتعريفات صحيحة عن الأفراد والجماعات ، عن تنوع العلاقات وتزاحم الهموم /وتقاسم القلق ، والضغوط التي تمارس على الأفراد والجماعات ، فهي لا تهرب من قسوة القهر المتقدم في أرصدت أيامها ، بل تجد ذلك أرقاماً خيالية تشرق وتغرب مع صباحاتها ولياليها .
إنها الروعة في القص تتجمع في حنايا امرأة عرفت كيف تنطوي الكلمات على مضامين النفس التي وجدت أنه من واجبها تنميتها طلباً لخير الفرد وسعادته فجمعت ذلك في دفتي مجموعتها القصصية (أيام فيما بعد )
1- الصورة السردية
تتصدر الصورة السردية أهميتها الدلالية عند الكاتبة وجيهة عبد الرحمن سعيد في تركيب بنية النص الذي يتحول بين يديها إلى قص يتجمل بتلك الجرأة الكلامية ، حيث يجعلك سردها تتصور معها ما يمكن تصوره ، فالسرد العميق والغاية في العمق عندها يتضمن صعوبات تجعلها تدرك أهمية الصورة المرسومة لدى المتلقي وكيف تعطي ثمارها عندما يفك رموزها فهي في أغلب الأحيان تصور المثال وكأنه تصوير بسيط يوضح لنا تمكن الأديبة من التعامل مع هذه التصويرية التي تنقلها لنا فالصور تظهر بقدرتها على الرسم والدقة وذلك من خلال الإمكانات اللفظية التي تتعامل معها الكاتبة .
(يا روحي الهائمة ...هلمي نوقد للفجر ناراً ... فما زالت قطرات المطر غيثاً ...يبلل حشرجة الموت فترفع كؤوس الخمر شظايا ... تعبر أبواب المتاهات وتعبر إلي سفن العائدين ، حين حدثتني عنهم العرافة وهي ترصف أحجارها )
ص 8 بقايا روح
وتستمر الأديبة وجيهة في تفسيرها لمجريات القص بالتفسير للأشياء ،فتضع العالم المعقول وترسم صور المحسوس ، وكأنما هناك عالمين يتميز أحدهما عن الآخر ، فالرمزية الجامحة في خلق الصورة السردية يؤكد مدى عمق الرؤية عندها ، فالجملة المحكية عندها صورة رمزية عميقة الأبعاد ، يتناولها المتلقي حسب قدرته على التحليل والتناغم مع أطيافها ،إنها تعرف أسرار الكلمات ودقة رمزيتها ... ففي صورتها السردية المعنونة (إنها حمراء ) تتجول بكلمات تخترق خبايا النفس المتألمة المترعة بالانهيار والتملص ، فعندما يتحول المر إلى غريب في الزمان والمكان مجرداً من الحقوق والانتماء ، تجعله الصورة أشبه بالشبح المتجول في عتم الليل هواءً لا أثر له على الأرض فسيبان الرجل اندثر في جرن القهر ، حتى رماد عظامه لا طعم لها ولا قيمة ، فليس لوجوده قيمة ، فهو لا يملك ورقة تعريف تحدد مساحة حجمه .. ولون شعره وعينيه أو تاريخ انتمائه للمكان الموجود عليه.... إنه العدم بحد ذاته محشور في قوقعته.
( ذات مرة سألته عن عمره فأخبرها بأن عمره تسعة وعشرون عاماً ، لكنها لم تصدقه فطلبت منه إبراز هويته ، وعندما أخرجها من الجيب الخلفي لبنطاله ،كانت حمراء اللون تختلف عن بطاقتها ) ص 12 إنها حمراء
هناك صورة سردية تصف الحدث المتموضع أمام الكاتبة فكأنما تريد أن تجمع كل سمات الخوف والقهر والملاحقة لمن لايملك جنسية المكان الذي يتواجد عليه الصورة السردية قدمت حالتها الحدثية ، وخلقت الفضاء الذي أرادته الأديبة ، فالصورة السردية تلك توحي بأن القيمة الإنسانية مرتبطة بتلك الورقة التي يحملها الإنسان والتي تعرف عنه فهي ورقة إما أن تكون ذات قمية أو لا .....فهذا السرد المغموس بالألم والحسرة يدل على المعاناة التي حددتها الكاتبة بقدرة تدل على تفهمها لما يحيط بالفرد الكائن في عالمها ،فهو ملاحق حتى في أحلامه ولا فسحة له إلا المعرفة والمثاقفة ،فالأديبة تريد أن تقول بأن شخوصها مثقفون يفلتون من يد المستبد بقدراتهم الفكرية .
( لماذا لا أقرأ قال بيأس التائه في عاصفة ثلجية ثم بدأ القراءة ... أي جوع للقراءة استبد به ) ص22 رصيف للهجرة
2-
إن الصورة السردية التي تنمو من خلال فعل متحرك يندرج بين الكلمة والمعطى حاملاً معه تباين الألوان السردية لكل حركة لتلك الصورة ويؤكد مدى معرفة الأديبة بتحريك الفعل التصويري للسرد ،فكل كلمة وكل نقلة تعمل على رصد شيء جديد في مكان سردي جديد وزمان يتواصل مع الصورة بجدية تغلق الصمت الذي يخلقه السرد ، فتصبح الحالة المستوحاة تتمايز من خلال المنطوق عند الأديبة ، فتجلب المكان بوصف سردي يخلق الصورة من خلال الكتابة يتلقفها القارئ فيسبح بخياله مع الأديبة ، ويسترسل عبر سيل من الرموز والاشارات مستلهماً عظمة التنقل والتماهي ، فوضع المحسوس والرمز المحمل إنما هما تعبيران عن فهم الكيفية التي هي قوام السرد ، وسر الصورة ، فالكاتبة تتقبل نوعاً من المشاركة بين السرد والتصور ، وتلك الحالة ليست أكثر من تطور بنائي للحدث .
( ضاقت جمجمته على دماغه الذي تضخم من شدة التفكير في كل مرة يقصد أحداً ما يبرر لهم عدم تكفلهم له ويصمت ثم يمضي ) ص71
3-
إن الصورة التي نقلتها الكاتبة تدل على خروج الأشكال عن مميزها ، فالجمجمة تضيق ، والدماغ يتضخم والتفكير يتعاظم وينمو ...والجماعة تتركه ويمضي في النهاية دون أن يحقق ما يريد .....إن هذا الفشل في التواصل مع الغير يجعلنا نتصور العلاقة السردية في كل كلمة حاولت الأديبة المبدعة توظيفها –فالفعل ضاقت – دل على المساحة التي تخنق الكائن رغم جهده وصعوبة تواصله ، والفعل –يتضخم – يدل على الأزمة التي لا تتناسب بحجمها مع صغر الدماغ ، والفعل يتعاظم يخرج السارد من قدراته ويلقي به في خضم الخوف ، فالكل يرمون به خارج التعامل والتواصل .
( انقضت تلك اللحظة ، اندفع بقوة ليبحث في أرجاء الغرفة ، لم يطل التفتيش وجدها مرتمية على وجهها في الطرف الآخر من السرير ، غارقة في الزبد والعرق ، حملها بين يديه ، احتضنها أبعدها عن حضنه ينظر إليها ترتعش شفتاه ، يناديها يستجديها أن ترد عليه) ص96
إنها الطريقة الجادة في رسم صورة سردية تحمل الشكل الواقعي المتمرد على فوتغرافية المكان ، فتتواتر الرسوم السردية حاملة معها الشكل المناسب للموقف المكاني المملوء بالزخم الفكري ورحابة الفضاء المحكي ، فالكاتبة ترى البعد المقصود من الصورة فترحل نحو جلاء الغبش عنها وتنويرها بالشكل المناسب لتوصيلها.....