النظــــــــــــــــــــــــــــــــارة
وقف امام النافذة يتفحص ما يجري من خلالها , لم يكن هناك أي شيء واضح المعالم . دعك عينيه بظاهر كفه ثم اعاد النظر لم تتغير اللوحة فقد كانت مشوشة ...لابد انه من تأثير السكر كان المرّعنوان حياته ماعدا دمه الذي ارتفع فيه السكر الى حدود لم تعتده دماء العالم قاطبة , تنهد بصوت عال متقطع ......لقد اقترب زمن لن نعرف فيه التمييز بين ما كان وما سيكون .
* * * ادخل المفتاح في الباب ويداه ترتجفان بل ترقصان فرحا وابتسامة عريضة تعلو قسمات وجهه تستر فظاعة مأساته فتغدو نسخة مزورة للسعادة الحقيقية . لم يُفتح الباب كان اختياراً خاطئا للمفتاح الحقيقي لم ينفعل ..لم يتأثر ..فاختيار المفتاح الخطأ لكل جانب مغلق طبع جُبل عليه . أما اليوم أمر ما جعله بهذه السعادة المزيفة المؤقتة سوف يرى الحدث سليما غير مشوه بواسطة تلك العدسات الجديدة ..سوف يقهر السكر وكل المحليات في الدنيا ...سوف يرى وبدون رتوش .
توجه الى النافذة مسرعا لكن ضعفا مفاجئا بدأ يسيطر على قدميه ...لعله السكر ..لا..لا ليس السكر فقد اكتفى السكر بنظري .
* * * اخذ نفسا عميقا ,شد عموده الفقري , فتح عينيه حتى كادت تلامس العدسة السحرية لجحوظها وشحذ كل همته المتبقية ليتغلب على تلك الهجمة من الضعف الذي تصوره مفاجئا .
احقيقة ان كل هذا الوهن والتشوش بسبب المرض ؟؟ أم الخوف من ان لاتكون العدسات مناسبة لرؤية جيدة ؟؟ هل يمكن ان يكون الطبيب قد غشني ؟؟ لا..لا..لايمكن لأنه ردد قسم( ابو قراط) حين تخرجه .
استعاد بعضا من قوته وتقدم متثاقلا لكنه ترنح يمنة ويسرة تبين عندها ان كامل هيكله آيلاً الى السقوط ولم تكن قدماه فقط هي السبب .
عاود المحاولة للوقوف معللا نفسه بالفوز فالمسافة بينه وبين النافذة لم تعد بعيدة وذلك الشيء الذي لايعرف ماهيته مازال متأججا في داخله يدفعه باتجاهها .
سمع انهم يرجمون المقدسات وما عرفهم لأنه لم يكن قد حصل على العدسات بعد..... لقد قالوا : المتآمرون وغيرهم قال : الذين يعرفون الحقيقة ..واختلفوا ..فقد لبس المتآمرون لباس اصحاب الحقيقة أما اصحاب الحقيقة فنصفهم مدع واندس بين النصف الآخر الكثير من المتآمرين .......... وسالت دماء الذين ما زالوا يبحثون في انفسهم عن اسباب تشوه الصورة..
* * * حاول التقدم جاهدا فقد تقلصت المسافة الى اقل من الصبر والشجاعة ...توقف لبرهة مستعيدا في ذاكرته آخر مرة وقف فيها امامها كانت تتراقص امامه غابة من اللافتات ... وحناجر ... واكف ملتهبة ....!! لقد استوردوا او هبطت عليهم بالمظلات ام القيت بالقاذفات ؟؟؟؟!!! لم تكن الصورة واضحة المهم انها كانت توصف بالخلاص بل حتى قيل انها باب من ابواب الجنة . فقد جربوها قبل ان يصدروها لهم وقبل ان تُلقى عليهم لكن يبدو ان سوء استخدامها او طريقة حفظها ونقلها ادى الى فسادها فظهرت على شكل بثور متقيحة على اجسادهم وربما ستصبح ما يشبه الوباء انها لاتناسبهم كلهم .
من خلال الصورة بدت بعض الوجوه الخائفة والشكاكة اما بعض الحناجر فكانت تصرخ مستحضرة التاريخ لتجد به مايبيد هذا الوباء ويدحضه . * * *
كان كلما تقدم من النافذة خطوة تشكلت لديه مواجع جديدة مما جعل الخوف هاجسا لديه ينمو ويتفاقم وبالرغم من ذلك استجمع قوته من بقايا الأمل المختزن في عمق ذاكرته .ربما يستطيع رؤية لوحة حقيقية واضحة متكاملة حتى لو استمر زحفا . لن تمنعه من الوصول كل امراض الدنيا ...حاول استعادة صلابته عبثا فعوامل التفسخ تأهبت لتقوم بعملها بعد ان عجزت العوامل الأخرى من اعاقته .. محدثا نفسه همسا : يجب ان اجرب ( النظارة ) لأعرف ما كان يدور في الخارج ..كانت الدماء كثير ة عرفتها من لونها كانت تسيل على ابواب المحاكم... والمساجد ... والكنائس ... والهياكل ... والمعابد الوثنية ....هل هي قرابين ؟؟؟!! واذا كانت كذلك فلماذا تتصاعد الصرخات البشرية متحشرجة من حناجر ممزقة ترسم الما يحس به كل من يملك بعضا من انسانية ..وصوت فرقعات السياط ((تتوعد بالخلاص)) ولكن ليس بدون دماء فالخلاص لايرويه سوى الدماء هكذا ارادوا تلقيننا أن خلاص الانسان دماء الانسان.
[ * * *
لم يعد يستطيع المتابعة رفع رأسه محاولا الوصول ولو بنظرة قبل الظلام الأبدي لكن رأسه هوى بشدة فوق (النظارة ) فكسرت وتناثرت متباعدة عن بعضها .حاول تجميع شظاياها فشلّت يداه
رنا بناظريه مستجديا الضوء من النافذة فخذلته وتداعى وظلت اللوحة باهتة الألوان وبأشكال كفرت بهويتها .
كانت آخر كلماته : ان العيب ليس بالنظر فلتعد تلك الجموع من عيادات الأطباء
( فاللوحة مزيفة وكل مافيها مزيف عن وهم يقال انه الحقيقة)