.........

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

    صباحيات...

    شادي
    شادي
    مشرف عام


    ذكر عدد الرسائل : 684
    العمر : 41
    مكان الإقامة : سلمية
    تاريخ التسجيل : 17/02/2008

    صباحيات... Empty صباحيات...

    مُساهمة من طرف شادي الإثنين نوفمبر 24, 2008 6:14 pm

    كما نزاريات...صباحيات هنا...
    كلمات خطها قلم الدكتور صباح قباني ..هنا وهناك..نجمعها ونقدمها لكم..
    الدكتور صباح شقيق الشاعر نزار قباني وأحد مؤسسي التلفزيون العربي السوري..


    مَنْ غيّر مَنْ ؟.. بقلم: صباح قباني


    في ملحمة (الحرب والسلام) يصوّر (تولستوي) مشهداً يتحاور فيه قائد روسي مع أحد ضباط الحملة النابليونية الفرنسية التي كانت جحافلها قد وصلت عام 1812 إلى موسكو ثم أعملت فيها الحرائق، ما جعل (نابليون) يوقن أن الروس المندحرين لابدّ أن يقرّوا بالهزيمة ويلقوا السلاح، ولهذا رأى أن يبعث بأحد ضباطه الكبار ليتصل بذلك القائد المكلف الدفاع عن موسكو ليقنعه بأنه لم يعد ثمة جدوى من الاستمرار في القتال وليقول له : «لقد انتهت الحرب وحان وقت أن تستسلموا!» فضحك القائد الروسي وأجابه : «قل لنابليون: إن الحرب قد بدأت الآن!».

    وبالفعل لم تكد تنتهي هذه المحاورة حتى بدأت هجمات المقاومة الروسية الشعبية تنطلق لتفتك بالجيش الفرنسي الغازي الذي راح يندحر شهراً بعد شهر أمام ضرباتها المتصاعدة وينكفئ متقهقراً خارج حدود روسيا. ‏

    وكانت تلك بداية النهاية لإمبراطورية (نابليون). ‏

    ولو كان (جورج بوش) يقرأ التاريخ، إذا كان يحسن القراءة أصلاً، لما وقف بعد سقوط بغداد في نيسان 2003 على ظهر حاملة الطائرات (أبراهام لنكولن) ليدّعي بلغة متبجحة أن الحرب انتهت وأن المهمة قد أنجزت، ثم رأيناه يمعن في تجاهل دروس التاريخ ويردد أن اجتياح العراق ما هو إلا الخطوة الأولى نحو تغيير المنطقة، وأن شرقاً أوسط جديداً سيتكوّن على يديه. ‏

    ولم يدر بخلده أن التغيير الذي حلم به لم يحدث في الشرق الأوسط بل سيصيب حياة الأميركيين أنفسهم الذين سرعان ما أدركوا أن رئيسهم ساقهم خلال خمس سنوات إلى فيتنام عبثية أخرى كلـّفتهم مئات الآلاف من القتلى والمعوّقين ونزيفاً مالياً لم تشهد أميركا مثيلاً له من قبل. ‏

    لقد استغل (بوش) حادثة 11 أيلول ليجيّش الأميركيين تحت لواء الوطنية ويخوّفهم من أخطار أخرى قادمة تتهدد حياتهم وازدهارهم لإبقائهم مستنفرين ضد عدو لا يعرفون له وجهاً ولا مكاناً. ‏

    أما النزيف القاتل فهو الذي أصاب صورة أميركا في العالم بعد انكشاف حقيقة الأكاذيب التي بررت العدوان على العراق وبعد توالي ظهور الفضائح المتعلقة بإدارة الحرب والتي كان منها : ‏

    ـ الممارسات الشاذة التي ارتكبها الجنود الأميركيون في سجن (أبو غريب). ‏

    ـ اعتقال مئات الآلاف من الأشخاص وزجهم في معسكر (غوانتا نامو) دون محاكمة. ‏

    ـ التنصت على مكالمات المواطنين الأميركيين دون موافقة قضائية مسبقة. ‏

    ـ إحداث سجون أميركية في الخارج لتعذيب المعتقلين دون رقيب ولا حسيب. ‏

    ـ قيام مكتب التحقيقات الفيدرالي (F.B.I) بجمع المعلومات عن الأفراد والمنظمات الأميركية المناوئة للحرب على العراق. ‏

    لقد أدت هذه الإجراءات القمعية إلى إذعار كل من كان معجباً بأميركا وبليبراليتها وبانفتاحها وبالمبادئ المثالية التي وضعها الآباء المؤسسون من أمثال (جفرسون) و(ماديسون) وبكل منجزاتها العلمية والثقافية والفنية، فقد حوّلها (بوش)، حسبما قالت جريدة (نيويورك تايمز)، «إلى نظام استبدادي بوليسي أفقدها براءتها وجعلها بلداً تسوده أجواء روايات (فرانز كافكا) السوداوية». ‏

    ومن أبرز التحولات التي حدثت داخل أميركا تلك التي تبدّت في صورتين: ‏

    الأولى : كانت في انقلاب موقف وزير الخارجية السابق (كولن باول) الذي كان قد روّج لتبرير الحرب على العراق خلال مداخلته الشهيرة أمام مجلس الأمن الدولي فـي 5/2/2003 استناداً إلى تسجيلات صوتية وصور زوّدته بها وكالة المخابـرات المركزية (C.I.A) لتظهر لأعضاء المجلس أن العراق هو بصدد تصنيع أسلحة دمار شامل وأن الحرب عليه لها ما يبررها. ‏

    وعندما كشفت تحقيقات لجان الكونغرس والصحافة الأميركية زيف تلك الوثائق اعتزل (باول) منصبه واعترف علناً أنه كان ضحية عملية خداع وتزوير جعلته يسرد أمام مجلس الأمن وعلى مرأى من العالم أجمع أكاذيب المخابرات المركزية، ما أساء إليه ولطـّخ سجّله العسكري والسياسي الذي كان يحرص على إبقائه نقياً ناصعاً. بل إنه أعلن في مقابلة تلفزيونية يوم 19 تشرين الأول الماضي، وهو الجمهوري القديم، تأييده للمرشح الديمقراطي (باراك أوباما) ليخلف بوش في رئاسة أميركا. ‏

    أما الصورة الثانية للتغيير الجذري الذي حدث في أميركا فتمثلت في إقبال الناخبين الأميركيين يوم الانتخابات الرئاسية على الاقتراع بأعداد هائلة غير مسبوقة وكأنهم كانوا يريدون أن يكفـّـروا عن إبقائهم (جورج بوش) رئيساً لهم مدة ولايتين متتاليتين، ولذلك هرعوا إلى التصويت لـ (باراك أوباما) بنسب مذهلة مخافة أن يأتي إلى البيت الأبيض جمهوري آخر، هو (جون ماكين)، فيكمل نهج (بوش) الذي يترك منصبه بعد أن جعل الحلم الأميركي وراءه خراباً يباباً. ‏

    لقد كان تصويت الأميركيين لـ (أوباما) إذاً بمثابة فعل استغفار ‏

    (MEA CULPA) عن تلك الخطيئة التي سبق اقترفوها بحق أنفسهم وبحق بلادهم. ‏

    من جريدة تشرين السورية

      الوقت/التاريخ الآن هو الأحد مايو 19, 2024 9:19 pm