.........

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

    دراسة نقدية لمجموعة العيد عند عبد الحفيظ الحافظ /بقلم علي الصيرفي

    aliserafi
    aliserafi
    عضو ذهبي
    عضو ذهبي


    ذكر عدد الرسائل : 61
    العمر : 74
    مكان الإقامة : سورية حمص
    تاريخ التسجيل : 23/02/2009

    دراسة نقدية لمجموعة العيد عند عبد الحفيظ الحافظ /بقلم علي الصيرفي Empty دراسة نقدية لمجموعة العيد عند عبد الحفيظ الحافظ /بقلم علي الصيرفي

    مُساهمة من طرف aliserafi السبت يونيو 20, 2009 9:20 pm

    العيد

    العلاقة بين الرؤية والحلــم

    التمرد بانورامـــــا فكريـــة

    تحدد الأطر الإنسانية للقص دراسة نقدية لمجموعة العيد عند عبد الحفيظ الحافظ /بقلم علي الصيرفي 191475
    عند الأديب عبد الحفيظ الحافظ
    بقلم الناقد: علي الصيرفي Shocked


    تبقى الكتابة هي الوسيلة الراقية لتجسيد الفكر وتمريره إلى عقول الآخرين ،وتدفع به في مقدمة التحرك المبرمج للأديب ، وخلق الظروف التي تجعل المسائل الاجتماعية قضايا مركزية ، فلسان الكاتب عين تتحرك في عدة محاور ، ويستطيع بواسطته التنقل بين مجموعات كثيرة من الفئات البشرية ، والتجربة الكتابية عندما تدخل في تسجيل الأحداث العالقة على حواف البركة الاجتماعية توجه قدرة الكاتب على تكوين لغة حوارية قادرة على تفكيك ما يجري ، وخلق الشبكة القادرة على توصيل مشكلات المجتمع ، والأديب عبد الحفيظ الحافظ يفجر كل هذه المكونات المشوهة بطريقة رائدة في مجموعته القصصية (العيد) وبهذا يجزئُ الأديب المأساة التي تحطم خلايا مجتمعه فيجد أن الفكر هو فلسفة الكتابة، ويراها اعتراف بالقدرة المكبلة التي تسعى نحو التغيير والتحدي ، وإظهار كل المخبوءات التي تريد بعض الهيئات تسلطها على المجتمع ،فلو نظرنا إلى الكتابة فسنجدها قوة منفصلة عن الهيئات المتسلطة بحيث تترك لنفسها هامشاً من القدرة على التحرك بين كل هذه الألغام التي تحاول الانفجار بكل من يبدي الرأي محاولاً التغيير وفضح تلك الأساليب الماكرة . Laughing

    (سمعت البلدان البعيدة اسم المبعوجة محرفاً (المسعودة ) يتردد بفرح على ألسنة المسافرين تحدثوا عن حليب الماعز والبيض البلدي ، تباهوا بما اشتروه من استراحة تموز في المسعودة ووصفوا بشوق أثاث الاستراحة التقليدي والصور التذكارية التي التقطوها هناك ، وإصرار تموز على قلي البيض بالسمن العربي وزيت الزيتون ، وتقديمه خبز التنور مع أطباقه ) ص9

    إن العلاقة القائمة بين الأديب والبيئة وهذا الكم الهائل من المخزون الجمعي المتمثل بموروثات البيئة ، حيث يؤكد عليها من خلال تجربته الكتابية فيتنقل بينها مذكراً بجمال ما يعرض ونلمس ذلك بتلك المفردات – عربات خشبية نورجاً- حيلان – فؤوس الماعز –الأواني الفخارية –العتابا- الميجنا ، ولكن عندما ندقق النظر بكل ما يكتبه الأديب نرى أن هذا الإعداد البيئي هو مواجهة قائمة لصد الهجمات القادمة من الخارج ، والتعامل مع المفسدين بقوة وتبيان مساوئهم وذلك من خلال حوارات بين شخوصه تنقل أراء هؤلاء الأفراد بكل ما فيها من مشكلات وأخطار وهو لا يرضى بما يعوم على السطح الفاسد بل يطعن بهذا الكم من الفساد ويؤكد النهوض بمبادئ الحرية والتمسك بفسح المجال أمام الأفراد بأن يسمح لهم بالتعبير عن الرأي وهذا يحتاج إلى تدريب طويل ،لأن أساليب القمع المستخدمة أغلقت الأفواه وأقفلت كل نوافذ الحرية وجعلت من الأفراد أقزاماً يتطاولون في صوامع السلطة متمادين بما منحتهم من قدرات على الظلم والتسلط ، وعبد الحفيظ الحافظ ، يرى شخوص قصه يتلوون فوق جمر هذه الصفائح الملتهبة فالأمكنة العامة تتربع على ساحاتها عيون تراقب وترصد حتى الأنفاس من خلال هذه المتابعات تمكن الأديب أن يدخل القص في أضيق الأزقة الشعبية لأنه عرف أن المراقبة تبدأ من الجماهير العفوية التي تقول كلمتها دون مرام بعيدة أما الأجهزة الفاسدة فمهمتها البصبصة واعتقال ما يحلو لها من المتحاورين في استراحة المسعودة التي جعلها رمزاً لرؤية أراد الأديب إيصالها بطريقته الخاصة. Razz

    (لذا أضحت استراحت تموز مكان موبؤاً يتداول فيها ما يحدث في العالم ، وتعقيب تموز بعد كل حدث (مثل عندنا ) فاستدعى المسؤولون تموز ووضعوه في قبو أحدهم في البلدة الكبيرة بتهمة الإساءة إلى سمعة البلد وتهديد الأمن العام ، ولينسى تموز حليب أمه الذي رضعه) ص10

    وترتبط مشكلة القمع التعسفي برباط السلطة التي تقهر القادرين على الاعتراض وتفكك قدرتهم على الاجتماع والمناقشة لأن ذلك يتعارض مع تحركات هؤلاء المنتفعين وتطلعاتهم ، ولم ينس الكاتب الإنسان الكائن في قصه فقد دمرته مشاريع القمع وجعلته يمشي بساقين مكسورتين فالتعنت والقهر ميزا كل ما يدور على مساحة مجتمع الأديب من ظلم واضطهاد ويبرر ذلك في حركة القص عند (الحافظ) فهذه الحركة المتصاعدة تدل على الدقة والتأمل في بناء الأسس الكتابية دون السقوط في عملية التنبيه والوعظ والقدرة على المواجهة الحقيقية لأخطاء المتسلطين وكيف تدفع بكائن الأديب نحو الانحدار والخسة وتقبل الرشوة لكنه لا يترك الحس بالذنب وارتقاء الضمير النادم يفلتان من التمرد وعدم التقبل لكل هذا الضغوط . Evil or Very Mad (أيها الصديق أنت تعلم مدى حاجتي إلى هذا المبلغ وقد أصبحت ديوني كدلف بيت خرب ، لا أعرف أياً منها أرقع نعم هزمت وهذا اعترافي ، هزمت لأول مرة بصمتي ،فلم أقبلها ، ولكنني لم أرفضها وهذا ما يحز في نفسي ويعذبني ، وعند مغادرتي مكتبي لم أستطع حملها ، وجدتها ثقيلة جداً، وهي ما زالت قابعة في ظرفها في الدرج في مكتبي ، ومفتاح الدرج فوق الخزانة الخشبية ) ص15 رسالة من متوفي

    من هنا نرى أن الأديب تمكن من نزع أعقد الأمراض من أبطاله وهي تغلب الضمير الخاطئ وترحيله إلى خارج النفس الواعية التي أحست بفطرتها السليمة ورفض هذه المغريات وعدم تقبلها مهما كانت المغريات ، فالرجل يرفض الرشوة ويتقبل أن يموت نظيفاً راضياً بفقره ورافضاً لذلك المعطى الخاطئ ، ويعتمد الكاتب إلى إبراز الهوة الاجتماعية المتواجدة بشكل متسع فوق رقعة الوطن حيث الفقر وتلف القيم وعدم تمكين الأفراد من أخذ حقوقهم فالطبقة المتوسطة والتي تمثل الشريحة الأوسع في مجتمع الأديب نراها محاصرة ومغلوبة وتكاد أن تنحدر إلى أسفل السلم الاجتماعي فعلاقة الراتب المعيشي وغلاء الأسعار أمران متناقضان لا لقاء بينهما وأيام الشهر الطويلة تحاصر الشخوص بكل عناد وإحكام ، وغارسة في جسدهم مخالبها المؤلمة ويتضح هذا التوصيف في قصة العيد

    (كان أبو سميرة ( وهكذا أصر على أن يكنى ، مادامت سميرة هي ابنته البكر ) يفكر :كيف طارت آلاف راتبه الأربعة ؟ لم يستطع تحديد أوجه صرفها ، لمن دفع جزءاً منها تسديداً لدين قديم ؟شك بنزاهته في صرف راتبه أنب نفسه:

    تجيد يا أبا سميرة حساب مالية الشركة ، وتعجز عن حساب مالية بيتك ؟؟!!ص21

    إن تصوير المشكلة يبين أهمية خلفياتها وما يترتب عليها ، فأبو سميرة يدير حسابات شركة كبيرة ، ويتعثر في حسابات راتبه الذي يتكون من أربعة آلاف ليرة ، هنا تبرز قدرة الكاتب على خرق المشكلة مباشرة فالخطأ ليس في حسابات أبو سميرة وإنما في هذا الراتب الهزيل الفاقد قيمته منذ الساعات الأولى لاستلامه ،وينتقل الكاتب إلى قضية القمع والتسلط ، واختلاق جو من الخوف والذعر الذي تكرسه تلك الأجهزة التابعة لتلك السلطة الممسكة بكل مفاصل الحياة ، فيرصد عملية الجلب إلى تلك الأجهزة والرعب الحاصل في غرف تحقيقاتهم ، والذل الذي يصيب من يدخل إلى هذا المكان .

    (ناجي أبو رامي نفسه وقد قفز قلبه من صدره :

    إنه هو إنها التهمة اللعينة التي واجهني بها كانت عيناي مغلقتين بقطعة جلدية سوداء ، ويداي خلف ظهري وقد طوقتا بسواري معدنيين إنني على يقين أنه هو)ص24

    يسوق الكاتب لنا مشاهدات حصلت واكتسبت الكثير من الأهمية فالأشخاص الذين عانوا من هذا الحمولات القاسية الوزن تنخر في صدور الناس وخاصة أولئك المثقفين الذين كانوا في الصف الأول لكل عمليات التوقيف والدَّهم وحتى الإذلال ، ويتابع الكاتب الولوج في مشكلات المجتمع ، ولم يبتعد كثيراً عن أدق هذه المشكلات ، فيتعرض لقضية الضرب في مدارسنا الابتدائية ،ويصور هذه المشكلة بالعذاب الذي تخلفه العصا التي يضرب بها التلاميذ ، ويكلمنا عن الأسماء التي أطلقها التلاميذ على هذه العصا ، والخوف الذي تفرضه عليهم ، والأستاذ الذي يمجد أعمال هذه العصا التي سميت (بأم حسان ) (وأم محمود)، ويطلق الكاتب السخرية على هؤلاء الأساتذة المشوهين نفسياً وخلقياً فأحدهم أحدب وتنتفخ حدبته عندما يثور وينفعل أثناء عقاب أحد الأطفال .

    (انتهت الفرصة ، عاد التلاميذ إلى الصف الثالث ، دخل الأحدب ، وقفوا احتراماً له ، جلسوا بإشارة من يده انتظروها طويلاً اخذ يفتش عن العصا ، صرخ ، توعد هدد ، علا صوته ،انتفخت حدبته ،تملكه الخوف ) ص 42 مجموعة المنديل الأسود

    إن عملية التجاذب بين التلاميذ والإدارة الظالمة تتفاعل باستمرار حسب رؤية الأديب ويجدها مستمرة ورغم براءة الطفولة المتمثلة بالتخلص من العصا القامعة، والتشدد من قبل هؤلاء الأساتذة المتباهين بقوتهم في جلد هؤلاء الصغار وقهر إرادتهم ولكن الأطفال مستمرين بإخفاء هذه الأدوات وكسرها وهذه دلالة على أن الحرية عند هؤلاء الصغار لا يمكن أن تموت ، فكيف إذا انتقلت إلى قلوب الكبار ؟

    من خلال كل هذه المعطيات نستدل على أن الكاتب أراد أن يمسك كل المشكلات التي تأكل جسد المجتمع حتى الأطفال ، وتنمو خطوات الأديب مسرعة إلى البحث في الكثير من القضايا الاجتماعية فيتطرق لمشكلة التلوث والأخطار التي جلبتها لمدينة حمص ، فالهواء ملوث والماء ملوث .

    (أمست حمص تضاجع هواءها الملوث ليلاً، وتسكر بماء العاصي الذي خالطه النفط نهاراً ،أصبح السمك البني بلا طعم ، استعاضت عن حجارتها السود بقطع (البلوك ) لم يعد لها ثوب تعرف به لقد نسيت اسمها (حمص أم الحجارة السود)ص49

    لقد تمكن الكاتب عبد الحفيظ الحافظ من رصد كل الهموم والجروح النازفة ووصف لنا هذا الهم الجاثم فوق قلوب أفراد المجتمع بكل أشكالهم وشرائحهم ، فالهم قد وحد المشكلة وجعلها تتفاعل في كل الصور رغم تفاوت هذا التفاعل بين شخص وآخر .

      مواضيع مماثلة

      -

      الوقت/التاريخ الآن هو الأحد مايو 19, 2024 1:35 pm