قصـــة
عندما جفل الحمار
بقلم القاص الناقد علي الصيرفي
غادرها حلمها الوردي قبل دقات قلبها ،حيث الشمس والريح الباردة ، وبقايا صمت مخيف ممزوج بطحل القهوة الملتصق في قعر الفنجان ، طار الشعر الناعم فوق الكتفين بريح عطر فاحت منه ، انفتحت بوابات العالم والطرق المسدودة ، و أشرق وجهها كالبدر في غابات الصنوبر في صيف دخل في متا هات الزمن بعد ، جلست ترسم وشماً فوق الجلد ، وكلمات سحرية أرادت نقشها ، حدثتها جارتها أن النحس يزول بواسطتها ، غضب الكاهن من نصيحة المرأة ، وراح يزفر من صدر جمع فيه عناوين الكره ، ارتعدت خوفاً منه ، اصطكت تعابير وجهها بالأصفر والأحمر ، والعينان صارتا مغارتين لجدول حزن انهمرت منه عناقيد اللؤلؤ ، قالت وصوتها المخنوق قد جلدته أشباحُ الكلام :
انتظرني
كانت بوابة الكهف مغلقة ، وذاك المسكين يجلس بين الماء وحد الجرف المنحدر نحو الهاوية ،في لمح البصر، مر الحجاج بن يوسف ،وهو يبكي ، وبالقرب منه سائحة تسأله عن حائط تتجمع حوله زرافات من الزوار، يبكون على أسطورة قديمة يقال بأنها خارقة ،سألها بصوته الخشن :
على من تبكي أيتها الشابة
سكتت وكفت عن النحيب وقالت : المعبد .... القديم ، تعجب الحجاج وبدت على وجهه خارطة الدهشة ،فهو العارف بكل الأشياء ، كان الورد الجوري يغدق برائحته فوق تلال الزمن المنسي . والبتول تمشي معصوبة الرأس من ألم حل بها ،كل الذكريات تفادت عبور ترانيم مغارتها وضفائرها الناعمة غطت وجه الطفل برفق وحنان ،أصابع الكف كانت تدفع نصباً أعلى من سنديانة السامرة، وجرحاً يتغلغل في روحي إيليا ،فالقوم رفضوا دعوته ، وتعلق قلبهم ببعل وراحوا يمجدونه ، وهو الناظر إلى السماء ينتظر إشارة تعيد إليه ما فقده ، قالوا له
نحب بعلاً
وقال : أحب من في السماء ، ذبحوا ثوراً وقدموه بناء على طلب إيليا إلى بعل فلم يفعل شيئاً وبقي لحم الثور في المكان ، وقام إيليا وأعاد بناء ما تهدم من مذبحه ، وقدم قربانه ، فجاءته النار من السماء" 1"
قالت المرأة : أحلام وعذابات ونحن في ألف البدء من القرن ،وأما الميم واللام ، فالأشلاء لازالت في بئر الموت وثعابين الصحراء جعلته وكراً لها قرب النخلة وعندما اهتزت ملأتْ الرطبُ مساحات القلب وطهر الروح علم الكاهن المتمسك بكتاب في جعبته أن الكون يدنو من محرقة تذبل فيها أيام الصدق ، وينبلج الفجر عن سر يغطي في طلسمه إحداثيات الهيكل ،ومتاهات مغارة المكفيلة ،وبلوط يبوس ،وسعف الناصرة ،تعالت ضحكة صاحب القلنسوة :
نحن في سفر التكوين ،نعلم أن الزمن منطلق باستمرار ، والجدولة فيه لا حكم لها ، صعبٌٌ أن تركب ظهر الزمن وترحل دون مقدمة ، تدفن فيها ثقافتك ؟
بكى الحسين الحلاج ، وقال :
وثاقي مشدودٌ ، والدم تجمد في عروقي ، والموت أقرب إلي من طعام الليل ، فالعمر في نفاذ وضياع ،رابعة العدوية أطفأت قناديل الليل ، أما الرجل الذي راح يبحث عن ملك أضاعه ، فقد عانقه ذاك الرومي وقربه إليه خداعاً ، قال الواقف بين الشفة والكلمة : أهداه ثوباً مسموماً مات عندما لبسه ، عند الصبح كانت المرأة تضع طفلها في التنور ، خبأته من عيون الجند القادمين لقتل كل وليد ، رشت نفسها بالطحين وأكثرت من إضرام النار ، بعد انتهاء الحملة ركضت المرأة نحو التنور ، كان الولد يضحك ويحرك قدميه مسروراً ،فاضت الأم دمعاً حملته التقف الحلمة ونام على الصدر المشبع بالصمت نصحتها الأخت أن تضعه في الصندوق وتدفعه في النهر ،أغنيات الراقصات في المعبد كانت تعبر امتداد الأفق وتمد جسوراً بين الفقراء وتعاليم الكتاب ، والفيل القادم من جنوب الصحراء ، يركبه من أقسم أن يهدم البيت ،والرجلُ الشيخُ مبهورٌ بالقادم ، انفض القوم ُ،قالوا:
لا طاقة لنا ، نحن أضعفُ من مقاتلته ، صاح الشيخُ:
هذا البيتُ مرسوم ٌعليه سر القوة والبقاء ، والخطر القادم مردود على صاحبه ،انطلق الليلُ مهزوماً ، وارتعدت شمس نهار حمل معه كسف من غضب وطيور لا مثيل لها كانت أشلاء القادم تأكلها العقبان والفيلة أذابتها أحجار من نار ، وآمنة تتضرع مسّلمة نفسها لقوة حب من القدر الأكبر ملأت حناياها ،وأضاء الكونَ بالليلٍ كوكبٌ ، تعالت أنواره وأغنت في العلن المكان الأكثر قدسية في قلب السامرة حيث القبلة الميمم وجهه شطرها ،ورحلةٌ قادت صاحبها عبر الأفلاكِ ، والنور المتدلي حتى ارتسم الشاهد ورأى القلب والبصر عودة لقوة العائد ، عندما وقف فوق الكثيب وجمع القوم وبلغ بقوة البيان ، كان الجالس قرب الأنقاض ينادي المرأة الهاربة مهلاً هذا الدرب لا يوصل إلى القبة ، والنهر صار أكثر خطراً بل إن الكون تغير عند الطرف الآخر كانت مجموعة من النسوة يحركن قدوراً والأطفال وبعض الرجال ينظرون إلى المغرفة الخارجة من القدر وما تحويه ، امتلأت الصحون ، كان المرتبك يفرك كفيه ،وكلمات تتقاذف صوراً تلك امرأة منفوشة الشعر ، وذاك رجل يهلوس بكلمات أما سيارات الضيف القادم فقد ظلت تصدر أصواتاً ،وحمارٌ مبهورٌ من صوت السيارات راح ينهق ويطلق ساقيه عالياً في الهواء كأنه يعلن احتجاجه على الموكب الذي أجفل غفلته ......
عندما جفل الحمار
بقلم القاص الناقد علي الصيرفي
غادرها حلمها الوردي قبل دقات قلبها ،حيث الشمس والريح الباردة ، وبقايا صمت مخيف ممزوج بطحل القهوة الملتصق في قعر الفنجان ، طار الشعر الناعم فوق الكتفين بريح عطر فاحت منه ، انفتحت بوابات العالم والطرق المسدودة ، و أشرق وجهها كالبدر في غابات الصنوبر في صيف دخل في متا هات الزمن بعد ، جلست ترسم وشماً فوق الجلد ، وكلمات سحرية أرادت نقشها ، حدثتها جارتها أن النحس يزول بواسطتها ، غضب الكاهن من نصيحة المرأة ، وراح يزفر من صدر جمع فيه عناوين الكره ، ارتعدت خوفاً منه ، اصطكت تعابير وجهها بالأصفر والأحمر ، والعينان صارتا مغارتين لجدول حزن انهمرت منه عناقيد اللؤلؤ ، قالت وصوتها المخنوق قد جلدته أشباحُ الكلام :
انتظرني
كانت بوابة الكهف مغلقة ، وذاك المسكين يجلس بين الماء وحد الجرف المنحدر نحو الهاوية ،في لمح البصر، مر الحجاج بن يوسف ،وهو يبكي ، وبالقرب منه سائحة تسأله عن حائط تتجمع حوله زرافات من الزوار، يبكون على أسطورة قديمة يقال بأنها خارقة ،سألها بصوته الخشن :
على من تبكي أيتها الشابة
سكتت وكفت عن النحيب وقالت : المعبد .... القديم ، تعجب الحجاج وبدت على وجهه خارطة الدهشة ،فهو العارف بكل الأشياء ، كان الورد الجوري يغدق برائحته فوق تلال الزمن المنسي . والبتول تمشي معصوبة الرأس من ألم حل بها ،كل الذكريات تفادت عبور ترانيم مغارتها وضفائرها الناعمة غطت وجه الطفل برفق وحنان ،أصابع الكف كانت تدفع نصباً أعلى من سنديانة السامرة، وجرحاً يتغلغل في روحي إيليا ،فالقوم رفضوا دعوته ، وتعلق قلبهم ببعل وراحوا يمجدونه ، وهو الناظر إلى السماء ينتظر إشارة تعيد إليه ما فقده ، قالوا له
نحب بعلاً
وقال : أحب من في السماء ، ذبحوا ثوراً وقدموه بناء على طلب إيليا إلى بعل فلم يفعل شيئاً وبقي لحم الثور في المكان ، وقام إيليا وأعاد بناء ما تهدم من مذبحه ، وقدم قربانه ، فجاءته النار من السماء" 1"
قالت المرأة : أحلام وعذابات ونحن في ألف البدء من القرن ،وأما الميم واللام ، فالأشلاء لازالت في بئر الموت وثعابين الصحراء جعلته وكراً لها قرب النخلة وعندما اهتزت ملأتْ الرطبُ مساحات القلب وطهر الروح علم الكاهن المتمسك بكتاب في جعبته أن الكون يدنو من محرقة تذبل فيها أيام الصدق ، وينبلج الفجر عن سر يغطي في طلسمه إحداثيات الهيكل ،ومتاهات مغارة المكفيلة ،وبلوط يبوس ،وسعف الناصرة ،تعالت ضحكة صاحب القلنسوة :
نحن في سفر التكوين ،نعلم أن الزمن منطلق باستمرار ، والجدولة فيه لا حكم لها ، صعبٌٌ أن تركب ظهر الزمن وترحل دون مقدمة ، تدفن فيها ثقافتك ؟
بكى الحسين الحلاج ، وقال :
وثاقي مشدودٌ ، والدم تجمد في عروقي ، والموت أقرب إلي من طعام الليل ، فالعمر في نفاذ وضياع ،رابعة العدوية أطفأت قناديل الليل ، أما الرجل الذي راح يبحث عن ملك أضاعه ، فقد عانقه ذاك الرومي وقربه إليه خداعاً ، قال الواقف بين الشفة والكلمة : أهداه ثوباً مسموماً مات عندما لبسه ، عند الصبح كانت المرأة تضع طفلها في التنور ، خبأته من عيون الجند القادمين لقتل كل وليد ، رشت نفسها بالطحين وأكثرت من إضرام النار ، بعد انتهاء الحملة ركضت المرأة نحو التنور ، كان الولد يضحك ويحرك قدميه مسروراً ،فاضت الأم دمعاً حملته التقف الحلمة ونام على الصدر المشبع بالصمت نصحتها الأخت أن تضعه في الصندوق وتدفعه في النهر ،أغنيات الراقصات في المعبد كانت تعبر امتداد الأفق وتمد جسوراً بين الفقراء وتعاليم الكتاب ، والفيل القادم من جنوب الصحراء ، يركبه من أقسم أن يهدم البيت ،والرجلُ الشيخُ مبهورٌ بالقادم ، انفض القوم ُ،قالوا:
لا طاقة لنا ، نحن أضعفُ من مقاتلته ، صاح الشيخُ:
هذا البيتُ مرسوم ٌعليه سر القوة والبقاء ، والخطر القادم مردود على صاحبه ،انطلق الليلُ مهزوماً ، وارتعدت شمس نهار حمل معه كسف من غضب وطيور لا مثيل لها كانت أشلاء القادم تأكلها العقبان والفيلة أذابتها أحجار من نار ، وآمنة تتضرع مسّلمة نفسها لقوة حب من القدر الأكبر ملأت حناياها ،وأضاء الكونَ بالليلٍ كوكبٌ ، تعالت أنواره وأغنت في العلن المكان الأكثر قدسية في قلب السامرة حيث القبلة الميمم وجهه شطرها ،ورحلةٌ قادت صاحبها عبر الأفلاكِ ، والنور المتدلي حتى ارتسم الشاهد ورأى القلب والبصر عودة لقوة العائد ، عندما وقف فوق الكثيب وجمع القوم وبلغ بقوة البيان ، كان الجالس قرب الأنقاض ينادي المرأة الهاربة مهلاً هذا الدرب لا يوصل إلى القبة ، والنهر صار أكثر خطراً بل إن الكون تغير عند الطرف الآخر كانت مجموعة من النسوة يحركن قدوراً والأطفال وبعض الرجال ينظرون إلى المغرفة الخارجة من القدر وما تحويه ، امتلأت الصحون ، كان المرتبك يفرك كفيه ،وكلمات تتقاذف صوراً تلك امرأة منفوشة الشعر ، وذاك رجل يهلوس بكلمات أما سيارات الضيف القادم فقد ظلت تصدر أصواتاً ،وحمارٌ مبهورٌ من صوت السيارات راح ينهق ويطلق ساقيه عالياً في الهواء كأنه يعلن احتجاجه على الموكب الذي أجفل غفلته ......