قصة :
الزنبق وتماسيح النهر
بقلم: علي الصيرفي
كلمات كثيرة أغلقت عليها طرق التملص والإفلات ،انحشرت في الركن المظلم حيث لا مجال للختل والتهرب ،وقعت الكلمات كالماء البارد فوق جسد يلتهب جمراً ، خرست توقفت الحروف في حلقها ،مخبئة رؤوسها ،علقت في الفخ لم تعد قادرة على الخلاص ، صرخ بها !! كان الصوت أشبه بصاعقة هبطت، لا تعرف من أين ... رائحة الدخان المنبعث من سيجارته لفتها ضمن دائرة ٍ من طيور الغربان خافت انكمشت وهي تذرف أنفاساً مصعوقة بالخوف ، بكت ركعت على ركبتيها كان الخوف يغادر قلبها ساحباً أرشيف أيامها التي سجلته حرفاً - حرفاً ، كان يتمشى في صالة البيت وهو ينظر نحوها ... صرخ بصوت أشبه بعرير الضبع ، طالباً من الطفل أن يسكت أو سيحطم رأسه ، دوائر الخوف التفت حول رقبتها ضمت الطفل إلى صدرها أرادت أن تخفي صوته ، تمنت لو أنها صقر يمكنها أن تحمل فرخها وتطير ، كانت خائفة كالقطة ، انخفض صوتها حتى ضاع ، أنفاسها صارت بطيئة ، وعيناها تاهت في غابة كانت بين أدغالها مسرعة ، وذئب مسعور يلاحقها ، تسلقت تلة كثيفة الأشجار، تمزقت أطراف ثوبها التي علقت بأشواك الصبار ، وراحت تركض ،لم تسمع سوى عواء الذئب ، اصطدمت قدمها بحجر ، هوت نحو الأرض ، وجدت نفسها تسقط في حفرت عميقة لا قدرة لها أن تخرج منها، نيران وبراد كبير كانت تركض داخلهما، قطع كبيرة من الثلج تراكمت حولها، وأولاد صغار يرتعدون خوفاً ،وجهها صار يتمزق قطعاً، ويركض بين ألواح الثلج ، أما عيناها فكانت تدوران فوق وجه طفل صغير ، والرجل صاحب السيجارة يمسك سوطاً يلوح به ، اقتربت من الباب، راحت تبحث عن قبضته أرادت الخروج من الثلاجة، التي جمدت أعصابها ،تحولت البرودة ناراً ، راح جسدها يذوب ويضمحل ، وما لبث أن تبخر تحولت إلى غيمة خرجت من ثقوب الثلاجة ، علقت في ورقة كتب عليها ( أحبك ) رغم َ أسواركِ الباردة ونيرانكِ المحرقة ، طارت بها الورقة حملتها كبساط سحري رمتها في لجة يخيم فوقها ليلٌ أسودُ ،المطر الهاطل حبس صوتها غصت وتبلل جسدها بماء له رائحة عجيبة ، نادت كل الأشكال التي تعرفها ، لم تسمع رداً ، احتارت في أمرها، اقتربت من هاتفها الجوال ، كانت أرقامه مضيئة ،لمست الرقم الأول جاءها الصوت ،أين أنت ، صرت في غابة البرد عند الثلاجة العصرية ، والأرواح المراهنة على سلوك الحارس لبوابات الحب ، تهالك الجسد الناحل ، النزق المضمخ بالفرح واحتساب الوقت لف جسدها ، حوله إلى أيقونة صارت هي صورتها لكنها لا تدري متى تهرب منها ، حاولت أن تقرأ دانتي ولزوميات أبي العلاء ،وأن تعرف سر سم نفرتيتي ، اقترب َ !! من صندوق كانت تخبئ بها أحلى رسائله ، خرجت عقرب من الصندوق ، كانت إبرتها تقترب من عنقه ركض نحو قلبها الباكي ،كانت تغرق في بركة الفزع ، ظنت نفسها في جوف الزمن المختبئ خلف حاوية الصيف القادم ،انتفخَ بالقرب منها كيسٌ كبر حجمه، ثم تمزق، وخرجت منه عناكب كبيرة ، اقتربَتْ منها كانت الخيوط اللزجة تلتصقُ بفمها أحست بدبق ِالخيوط ،اغترفت بيدها قليلاً من الماء ومزجته بعطر الورد هربت العناكب وصار الموج أكثر هدوءاً ، عند الجزر وجدت جسدها فوق الصخرة التي غيرتها أمواج البحر وصنعت منها تمثالاً لقناديل البحر .
لمست شعرها وجدته قد جف ووردة جميلة بللت خصلاته وزينت سواده ، كانت مرآة وجهها تضيء بشكل مختلف هذه المرة ، نظرت نحوها وجدت صورتها تلبس إكليلاً من الفل والياسمين ، أمسك الرجل القادم بزورقه بيدها وجذبها إلى الزورق انتعش القلب ، عادت الروح ، صار الجسد متشحاً بثوبٍ أبيضَ ونوارس البحر تجمع أصداف اللؤلؤ وتلقي بها للحبيبين ،في اللحظة كانت الشمس تُخفي آخر شعاع لها في حقيبةِ رحلتها الكونيةِ، وعيناها تلاحق ظل القلبين المتعانقين بين الزنبق وتماسيح النهر التي فتحت نصف عيونها تنتظر لحظة تطبق فيها فكيها المفتوحين منذ مدة بعيدة .
الزنبق وتماسيح النهر
بقلم: علي الصيرفي
كلمات كثيرة أغلقت عليها طرق التملص والإفلات ،انحشرت في الركن المظلم حيث لا مجال للختل والتهرب ،وقعت الكلمات كالماء البارد فوق جسد يلتهب جمراً ، خرست توقفت الحروف في حلقها ،مخبئة رؤوسها ،علقت في الفخ لم تعد قادرة على الخلاص ، صرخ بها !! كان الصوت أشبه بصاعقة هبطت، لا تعرف من أين ... رائحة الدخان المنبعث من سيجارته لفتها ضمن دائرة ٍ من طيور الغربان خافت انكمشت وهي تذرف أنفاساً مصعوقة بالخوف ، بكت ركعت على ركبتيها كان الخوف يغادر قلبها ساحباً أرشيف أيامها التي سجلته حرفاً - حرفاً ، كان يتمشى في صالة البيت وهو ينظر نحوها ... صرخ بصوت أشبه بعرير الضبع ، طالباً من الطفل أن يسكت أو سيحطم رأسه ، دوائر الخوف التفت حول رقبتها ضمت الطفل إلى صدرها أرادت أن تخفي صوته ، تمنت لو أنها صقر يمكنها أن تحمل فرخها وتطير ، كانت خائفة كالقطة ، انخفض صوتها حتى ضاع ، أنفاسها صارت بطيئة ، وعيناها تاهت في غابة كانت بين أدغالها مسرعة ، وذئب مسعور يلاحقها ، تسلقت تلة كثيفة الأشجار، تمزقت أطراف ثوبها التي علقت بأشواك الصبار ، وراحت تركض ،لم تسمع سوى عواء الذئب ، اصطدمت قدمها بحجر ، هوت نحو الأرض ، وجدت نفسها تسقط في حفرت عميقة لا قدرة لها أن تخرج منها، نيران وبراد كبير كانت تركض داخلهما، قطع كبيرة من الثلج تراكمت حولها، وأولاد صغار يرتعدون خوفاً ،وجهها صار يتمزق قطعاً، ويركض بين ألواح الثلج ، أما عيناها فكانت تدوران فوق وجه طفل صغير ، والرجل صاحب السيجارة يمسك سوطاً يلوح به ، اقتربت من الباب، راحت تبحث عن قبضته أرادت الخروج من الثلاجة، التي جمدت أعصابها ،تحولت البرودة ناراً ، راح جسدها يذوب ويضمحل ، وما لبث أن تبخر تحولت إلى غيمة خرجت من ثقوب الثلاجة ، علقت في ورقة كتب عليها ( أحبك ) رغم َ أسواركِ الباردة ونيرانكِ المحرقة ، طارت بها الورقة حملتها كبساط سحري رمتها في لجة يخيم فوقها ليلٌ أسودُ ،المطر الهاطل حبس صوتها غصت وتبلل جسدها بماء له رائحة عجيبة ، نادت كل الأشكال التي تعرفها ، لم تسمع رداً ، احتارت في أمرها، اقتربت من هاتفها الجوال ، كانت أرقامه مضيئة ،لمست الرقم الأول جاءها الصوت ،أين أنت ، صرت في غابة البرد عند الثلاجة العصرية ، والأرواح المراهنة على سلوك الحارس لبوابات الحب ، تهالك الجسد الناحل ، النزق المضمخ بالفرح واحتساب الوقت لف جسدها ، حوله إلى أيقونة صارت هي صورتها لكنها لا تدري متى تهرب منها ، حاولت أن تقرأ دانتي ولزوميات أبي العلاء ،وأن تعرف سر سم نفرتيتي ، اقترب َ !! من صندوق كانت تخبئ بها أحلى رسائله ، خرجت عقرب من الصندوق ، كانت إبرتها تقترب من عنقه ركض نحو قلبها الباكي ،كانت تغرق في بركة الفزع ، ظنت نفسها في جوف الزمن المختبئ خلف حاوية الصيف القادم ،انتفخَ بالقرب منها كيسٌ كبر حجمه، ثم تمزق، وخرجت منه عناكب كبيرة ، اقتربَتْ منها كانت الخيوط اللزجة تلتصقُ بفمها أحست بدبق ِالخيوط ،اغترفت بيدها قليلاً من الماء ومزجته بعطر الورد هربت العناكب وصار الموج أكثر هدوءاً ، عند الجزر وجدت جسدها فوق الصخرة التي غيرتها أمواج البحر وصنعت منها تمثالاً لقناديل البحر .
لمست شعرها وجدته قد جف ووردة جميلة بللت خصلاته وزينت سواده ، كانت مرآة وجهها تضيء بشكل مختلف هذه المرة ، نظرت نحوها وجدت صورتها تلبس إكليلاً من الفل والياسمين ، أمسك الرجل القادم بزورقه بيدها وجذبها إلى الزورق انتعش القلب ، عادت الروح ، صار الجسد متشحاً بثوبٍ أبيضَ ونوارس البحر تجمع أصداف اللؤلؤ وتلقي بها للحبيبين ،في اللحظة كانت الشمس تُخفي آخر شعاع لها في حقيبةِ رحلتها الكونيةِ، وعيناها تلاحق ظل القلبين المتعانقين بين الزنبق وتماسيح النهر التي فتحت نصف عيونها تنتظر لحظة تطبق فيها فكيها المفتوحين منذ مدة بعيدة .