الأحد 14/12/2008..
تقلب غريب في الحالة المزاجية..
الخميس الماضي كنت سعيداً للغاية، مررت بيومين سيئين بعده، حافلين بجلسات حديث مقيتة وأحلام مؤلمة..
هي ليست كوابيس كالمعتادة في حكايات الناس: يكون الواحد قصيراً ومفزعاً يغلب عليه الطابع الخرافي كأن يظهر وحش أو مسخ بشع أو أطراف بشرية طائرة أو ما شابه. هذا النمط من الأحلام لا يزورني إطلاقاً - ربما لتفكيري العلمي المنطقي الرافض للخزعبلات!
في المقابل تكون أحلامي طويلة كفيلم سينمائي، مترابطة تماماً وواقعية جداً تنعكس فيها مشاعري ومخاوفي وآلامي بمنتهى الوضوح (لا أذكر في حياتي كلها حلماً جميلاً رأيته فيما يرى النائم!). ما أخشى قوله أو تخيله بيني وبين نفسي يظهر على هيئة مشاهد وأحداث. من المسائل الغريبة أنني، وأنا نائم، أعرف على نحو غامض أن ما أراه ليس حقيقياً وأنني سأستيقظ وما أشاهده هو حلم..
(ربما لا أستطيع وصف الأمر إلا أنه حقيقي)
حالة من الإحباط العام واليأس اكتسحتني منذ فجر الجمعة ومنعت عني المذاكرة والنوم أو حتى عرض ما كتبته في الصباح بلغة - رغم الاتزان العام - ساخرة، سعيدة، مرحة..
لا بأس من عرضه الآن، ربما هو التماس لحالة من الرضا أفتقدها الآن من خلال الكلمات..
---
الخميس 11/12/2008..
رحت الشغل في العيد!
في نمط المؤسسات الذي أعمل به (جهات سيادية عليا!) هذا معتاد. زملائي من أتى منهم يشعر بأسى وتبرم والبقية استغلت رصيد أجازاتها وأكملت الأسبوع. ليس لدي بعد رصيد أجازات - لعدم مرور ستة أشهر على التحاقي بالعمل - إلا أنني لا أشعر بأي ضيق وعلى العكس في منتهى السعادة..
الشوارع خالية، وفي الميكروباص جلست مرتاحاً لا يستند أحدهم على كتفي أو يتحف قفايا بأنفاسه أو نجلس في تقابل مع ضبط وضعية أقدامنا على هيئة عاشق ومعشوق فأبقى محاصراً محني الظهر غير قادر على الحركة!
ما أجمل ميدان التحرير! هذا الميدان الذي أعشقه قبل الفجر رائع المنظر في صباح أيام الأعياد: الإسفلت نظيف يعكس أشعة رقيقة لشمس الخريف، أجمل فصول السنة، وطفلان يلعبان بالبالونات وهما في الطريق مع أبيهما إلى نزهة ولا تمر سيارة إلا كل دقيقتين. راودني إحساس أنني جزء من أحد مشاهد أفلام الأربعينات حين تصور شوارع القاهرة!
وبما أن حالتي النفسية جيدة جداً اليوم، وأنني جديد هنا، وهؤلاء المفترض فيهم أن يعلمونني وأسألهم حين تستوقفني مسألة غير متواجدين فأنا صايع نسبياً وأمامي متسع من الوقت. عنت لي الفذلكة وسأحلل نفسي نفسياً شوية!
***
أنا شخص متسرع وأستخدم تعبيرات مبالغة لوصف مشاعري!
تلك حقيقة قديمة أحاول تغييرها من قديم. هناك ترابط بين الصفتين ولكن لا بأس من تناول كل واحدة بمفردها لأغراض التحليل..
(1)
التسرع المقصود له مجال محدد وهو المواقف التي تتطلب رد فعل مباشر وفوري كاستجابة لمؤثر مباغت. لا أعاني مشكلات في اتخاذ القرارات المصيرية والهامة لأنها مسبوقة، عادة، بفترة للتروي والتفكير، وإنما في التواصل المباشر مع الناس: موقف ما لابد أن أبدي تجاهه رد فعل لحظي؛ من المشاهد المعتادة جلوسي وحيداً بعده أوبخ نفسي وقد وضعت كل البدائل التي كانت تكفل نتائج أفضل بخلاف ما بدر مني..
(يمثل التواصل مع الناس عبر الانترنت - في المنتديات حيث لا أستخدم الـ Chatting إلا نادراً عن اضطرار - استثناءاً لتلك القاعدة؛ لطبيعة وسيلة الاتصال التي تكفل فجوة زمنية تتيح التروي فضلاً عن ميزة الكتابة من خلف الشاشة ولوحة المفاتيح وهذا مريح أكثر من المواجهة المباشرة)
---
نستطيع أن نقسم تلك المشكلة إلى ظاهرتين أساسيتين: الإحجام عن اتخاذ رد فعل مناسب، والمبالغة فيه عند اتخاذه..
الأولى حالة لها أسباب متعددة أبرزها ضعف الثقة في رد الفعل كأن يحضرني تعليق ظريف على موقف ما فأمتنع عن إبداءه خشية اعتباره سخيفاً أو لا يليق، أو فتاة أود الكلام معها فتأتي الفرصة بغتة وأتهرب منها..
(مع تحقيق نجاح ما، أشعر معه بسعادة وثقة في النفس، يتبدل الوضع تماماً كما أشرت هنا مرات وما يمنحني بعض التفاؤل أن ردود الأفعال - التي أخاف منها وأحجم عن التواصل مع الناس بسببها حال الاكتئاب - تكون أكثر من إيجابية)
من مسببات هذا الضعف في الثقة، كعقدة عميقة، ما تركته مشكلة عيني من أثر، فكنت بسببها لا أواجه أي شخص بالنظرات وأنا أحدثه ولو أصر هو/هي أصاب بارتباك وضيق وأفتعل أي سبب لإنهاء المحادثة. النظارة الطبية الحالية تغلبت على جزء كبير من المشكلة إلا أن الرواسب موجودة..
للإجمال: لا أبادر بحرية إلا لحظات سعادتي، وهي نادرة، وكذلك حين يتخذ الآخر خطوات تؤكد لي تماماً رد فعله الإيجابي دون لبس، ساعتها يتحرر وصيف من طبقة الوقار والصمت الكثيفة التي أخفي وراءها طاقة حبيسة للحب والفرح.
هو على العموم قصور في شخصيتي أعمل على تلافيه والسبيل واضح بناء على ما سبق: خلق أسباب السعادة، وما أصعبه من سبيل!
---
أما الثانية فمنشأها حساسية معينة تجاه بعض الأشخاص أو الموضوعات. خلفية مؤلمة تجعل أي إضافة جديدة - مهما كانت بسيطة في ذاتها - تذكيراً بالسبب التاريخي للضيق فيأتي رد الفعل على غير تناسب مع ما حصل ثم أتمنى، بعد انفرادي بنفسي، أن الأمور لم تصل إلى هذا الحد وهي حالة منطبقة تماماً على أغلب الخلافات والأوقات السيئة في المنزل مع الأسرة..
(2)
أفرح بعمق لا يتناسب مع الحدث وعلى نفس الكيفية أتضايق وأعبر عن الأمر بشكل متطرف جداً ويدوم هذا لوقت قصير أراجع نفسي بعده عن طريق تحليل عقلاني فأخرج بنتائج مختلفة تماماً. حتى وجوه الناس أراها على غير حقيقتها في الانطباع الأول ومع الوقت أكتشف ملامحهم..
تلك المسألة لا تؤرقني، أو أنها تؤرقني ولا أتحمس لمراقبتها ومقاومتها فهي، مع أمور بسيطة أخرى، ما تبقى من طفل داخلي لا أود له الموت..
---
من الأمثلة الحديثة تقييمي المتسرع لأفلام العيد..
منذ أيام قليلة شاهدت إعلان فيلم اسمه "حبيبي نائماً" دون أن أعرف شيئاً عن بقية الأفلام ولما أصابني الاستياء مع مفارقة المقارنة مع "جنينة الأسماك" (الذي كبحت انفعالي بأعجوبة حتى لا أصفه - كما أصف كل ما يعجبني - بأنه أجمل فيلم شاهدته في حياتي!) وجدتني أصب اللعنات على أفلام العيد بشكل عام وأنعتها، بشكل مطلق، بالسطحية والتفاهة وهذا غير دقيق..
الأحد الماضي، يوم الوقفة، وفي طقس مسبب للسهر حتى الصباح رأيت أفيش فيلم "الوعد" ولما كان المؤلف هو وحيد حامد وبين الأبطال محمود ياسين وأحمد عزمي وباسم سمرة فقد دخلته و"تسليت" رغم سخافة مخالطة السوقة والدهماء! خلطة مثالية للعيد: مطاردات وقصة مشوقة وإيحاءات جنسية وفي نفس الوقت فكرة مش بطالة..
(رائد هذه المدرسة في الوقت الحالي هو المخرج خالد يوسف: حديك يا منتج اللي انتا عاوزه وحقول أنا كمان حاجة، وأنجح هذه الأفلام كان "حين ميسرة" وكان فيلم عيد بالمناسبة. أنتظر بفارغ الصبر فيلمه القادم؛ أعتقد أن فكرته ستكون جيدة كما أن بطلته هي هيفاء وهبي!)
كذلك فيلم "بلطية العايمة" من قصة الكاتب الجميل بلال فضل شاهدت إعلانه وأظنه جيداً (رغم أن موضوع الفيلم - وأغلب أبطاله - يذكر فوراً بمسلسل "هيمة" الناجح جماهيرياً رمضان الماضي ما يرجح استغلال النجاح ومحاولة نقله من شاشة إلى أخرى وهو أمر مشروع على كل حال).
حتى الأفلام الكوميدية الصرفة قد تكون ظريفة (أنا ضد اليساريين المتقعرين أعداء الابتسام!)، كفيلم محمد هنيدي من تأليف يوسف معاطي وهو كاتب موهوب خفيف الظل بغض النظر عن تقييمي لآرائه السياسية. مشكلة "الدادة دودي" أن تلك النوعية تعتمد بالأساس على الأطفال: ملامحهم الجميلة وخفة ظلهم، وأطفال الفيلم يفتقرون إلى الاثنين!
الخلاصة: لابد أن أتفهم ظروف الناس، من الجيد أصلاً أن هناك من يغامر وينتج أفلاماً مثل "الغابة" و"جنينة الأسماك" ولا ينبغي أن أتوقع شيئاً كهذا في موسم العيد بالذات.
---
مثال آخر هو الفرح الذي أقيم بشارعنا قبل يومين..
كانت ليلة منيلة جداً، واحد قرر يتجوز، يعني راجل أهبل، وفرحان بالحكاية دي. كل ده كويس خالص لكن أنا مال أهلي؟! يبوظ حياتي ليه كدة؟ دي جريمة حرب!
الصوت مرتفع بشكل ترتج معه الشبابيك وأرضية الشقة ومتولي أمر الـ D.J - ابن العاهرة - يختار أغنيات طليعية هادفة من عينة موشح تقول كلمات مذهبه بالحرف:
زكي يا زكي يا زكي زكي يا زكي
زكي يا زكي يا زكي زكي يا زكي
زكي يا زكي يا زكي زكي يا زكي
زكي يا زكي يا زكي
فيرد على المطربة، رد السجون، الكورال ليتساءل تساؤل مشروع سأله كل الناس مع إطلاق شتائم مختلفة: هو مين زكي ده؟!
فتعود لتكرر أوبرا "زكي" بحذافيرها وتغير بعد قليل الاسم إلى "علي": علي يا علي علي..... الخ!
لقد باظت الليلة؛ لا مذاكرة ولا مشاهدة لفيلم ولا قراءة ولا نفع لشيء (كنت أسمع قبل اندلاع الحرب لينا شماميان!) رحت أقذف المخدات والبطاطين في الهواء وألعن الاشتراكية والماركسية وأتمنى بخاخة عملاقة بها مبيد سريع المفعول أنهي به تلك المهزلة! وبعد قليل حين هدأت رحت أحاول فهم هذا السلوك وانتقل تفكيري إلى جانب مختلف تماماً وهو التقاط كلمات الأغنيات - باستثناء زكي يا زكي طبعاً - ومحاولة ربطها بالظروف الاقتصادية والاجتماعية والمعتقدات الدينية متجاوزاً عن علو الصوت..!
***
أعاد لي الـ Gym ثقافتي الفيديو- كليباتية من جديد!
أثناء الجري على الـ Cardio أشاهد على شاشته قناة للأغنيات المصورة مقاوماً إغراء CNN وهناك بعض الأغنيات الظريفة، والمحفزة على أداء التمارين الشاقة بعد الجري!
(بتمثل لي حاجة كدة عاملة زي هداد الحيل بديل الجواز بتاع أحمد زكي - راجع فيلم "البيضة والحجر". المدرس قبل الانحراف: إذا غلا علي شيء تركته)
في بنت مغنية اسمها قمر بتغني عن الواد القاسي الأناني. حاجة حلوة أوي ومع مشاهدة حركاتها يتجه العقل إلى نظرية المؤامرة لتفسير إيه هو ده اللي بشوية شطارة هيطلع فوق!
(في حاجات مش محتاجة في الحقيقة نظرية مؤامرة زي الأغنية الملتزمة بتاعة دوللي شاهين، ومش هقول كلامها طبعاً لأنه كله أبيح!)
في نفس الاتجاه تأتي أغنية لواحدة اسمها Pamela تقوم بدور بدوية في الصحراء تستبقي حبيبها ليمكث معها في الخيمة وينام معها (أغشك يعني.. هو كدة فعلاً) والحق يقال فهذا الحبيب حمار لأنه يود أن يمشي!
بعيداً عن هذا النمط هناك أغنيات دمها خفيف كأغنية سامو زين، وأخرى لجو أشقر. في الأخيرة يتم التصوير في جو يشبه الريف الإسباني (مجرد تخيل.. يعني أنا عمري رحت إسبانيا؟!) وبعد عودته يقوم أصدقاء العريس بمساعدته في الاستحمام وكذلك تفعل صديقات العروس ويتم اللقاء بينهما في الزريبة بعد طرد الحيوانات والطيور!
***
تطور نوعي في علاقتي مع الكلاب!
لقد اضمحل إلى حد كبير خو.. أقصد عدم احترامي السابق لحضارة هوهو. بالأمس (الأربعاء) كنت عائداً إلى بيتنا في الثانية صباحاً والشوارع خالية والناس نيام أواجه لفحات رياح الشتاء بقميصي النص كم. وفي مدخل شارعنا فوجئت بسبع كلاب ينبحون بشكل جماعي ويتربصون بكلاب عدوة في الشارع اللي ورانا. انتهى الماضي؛ أكملت طريقي بمنتهى الثبات، رأسي مرفوعة، قامتي منتصبة أغني "يا سنيني اللي راح ترجعيلي" ماراً بينهم دونما اكتراث..
(كاميرا تصورني من أعلى، ثم Zoom In وانتقال بين نظرات الهيبة على عيونهم ومنظر ختامي يجمع بين ابتسامتي الواثقة وإبراز عضلات الصدر!)