.........

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

    دراسة نقدية عن القاص محمد غازي التدمري

    aliserafi
    aliserafi
    عضو ذهبي
    عضو ذهبي


    ذكر عدد الرسائل : 61
    العمر : 74
    مكان الإقامة : سورية حمص
    تاريخ التسجيل : 23/02/2009

    دراسة نقدية عن القاص محمد غازي التدمري Empty دراسة نقدية عن القاص محمد غازي التدمري

    مُساهمة من طرف aliserafi الأربعاء فبراير 25, 2009 2:08 pm

    مأدبة مـــــاء

    القصة القصيرة جداً هي الحيز الكتابي الذي

    يماثل المكان والزمان ويندرج في عمق الحدث



    محمد غازي التدمري



    يبدو أن العمل المعرفي يغزو العقول ويكشف حقول الفكر للمستقبل متداخلاً في قدرات الموروث وتجميع مفاهيمه ،وكثيراً ما سلك القص ما يدّعيه الزمن إخضاع الواقع للتمكن منه في عالم الكتابة، والتدخل في تحويل تموضعه فالواقع يتلألأ على جداول المعرفة، وهو بريق لكل الموجودات في هذا العالم ،ومصير الكتابة في هذه الحلقة هو استعراض مكونات المعايير والمدخرات التي تتكثف في عبوات تبنى عليها الحياة الكتابية ويتخذ منها الأدباء موضوعاتهم ،ليصبح العمل الفكري كشفاً للمعقول ويعني ذلك اختراق العالم المتبدل في صميم المتغيرات اليومية

    1-

    فإن كان القص قبل كل المعطيات يتناول ما يجري في الواقع وينقله إلى الفكر والمخيلة ، ليدخله مرحلة الإبداع والتواصل مع الايجابي والسلبي الفاعل في تكوين تلك الصورة للحياة ، والكاتب المبدع محمد غازي التدمري يقصد مداخل القص التي تغزو مشكلات الزمن الحي المتمثل بالزمن القصصي الذي هو زمن تكون الحدث وخلق لحمة التباين بين التسارع والتباطؤ في نقل الحدث فالتدمري يريده حدثاً سريعاً جداً جداً فيجعله قصة قصيرة جداً ، وهذا المنظور ،الكتابي يعتبر هذا العمل كائناً جديداً يدخل عالم الحياة الواسعة فيتوالد مع الحدث وينمو معه بسرعة فائقة ثم يتلاشى وينتهي وهنا تكمن روعة القصة القصيرة جداً ، فالقصر – هو الحيز الكتابي الذي يماثل المكان والزمان ويندرج في عمق الأحداث التي تقع فعلاً فيخطف منها الجيد والمميز لأنه يمكن أن يسقطه على الناس المتعايشين في هذه الحلقة ، وهذا الخطف الرائع يصنف القص حسب تطوره عبر الكتابة فهناك ضروب من القص بحيث نصادف لقطة تصلح لأن تكون الأقصر بين القصص ، وهذا ما اتجه إليه الكاتب المتألق التدمري ، فالقص القصير يرمي إلى المصادفة التي تجعلنا نقتنص الفكرة ونخطفها ثم نؤكد صياغتها ، وهذا ما برع به الأديب حيث يبين في ومضة تسبق النظر ..

    ( مثل غريب حاف ، جاب الشوارع ، يفتش عن سقف يؤويه ، الأبواب كلها كانت مغلقة ،في الصباح ، لم يجد سوى باب المقبرة) ص19 الباب المفتوح

    تطلع سريع وصحيح ،وفكرة تتماشى مع الزمان والمكان فلا مجال للتهرب من ثقوب الخيال فالموضوعات تحقق الحدث السريع ويظل الخيال طليقاً يتحول إلى قدرة معرفية تميز القص

    2-

    ولعل ما يجعل القص القصير جداً متماسكاً ومحتملاً في أنه يحقق الهدف منه هو اللغة الإبداعية التي يتناولها الأديب في قصه ، فكتابة الحدث تكمن فيها الخلطة السحرية للقصة القصيرة جداً فالكاتب يعالج مسألة الخطف بشيء من التنوير والتكثيف واللغة هي المدون لكل حركة يحتاجها الأديب ،فما يلزمه في تلك الحالة الإجادة في استعمال الأدوات المتوافرة له لذلك هو يرى بأن اللغة هي التي تميز كتابته عن كتابة أخرى وهي التي ترفع شأن القصة عن غيرها ، فاللغة في القصة القصيرة جداً أساسية في خلق المكانة لما يكتب وخلق الدهشة والتساؤل لدى المتلقي الذي سيبني كل خياله على ما قرأ وربما كان الأديب قد اهتم كثيراً بمستوى الكتابة اللغوية ،ومراعاة أهمية المنطوق من العبارات فهو قد قارب لغته من عقل المتلقي وثقافته ، وظل يعمل من خلال اسلوب يبهر ويجذب .

    ( قالت الوردة : في أريجي يسكن العبق ، قال العصفور: في زقزقتي ينام الفرح .قالت الفراشة : من ألواني تتألق الزنابق ،قال القمر على ضيائي يسهر العشاق .قالت الشمس : من جدائلي ينطلق الضياء قال الظل : فتح المزاد لزيف الكلام) ص22 المزاد

    3-

    ولكن لو تمعنا إلى اللغة التي تظهر قضية تتناول الحكم العام لما يدور من خلال دفع المحكيات إلى فلسفة التجاذب والتفكير لعرفنا الفائدة التي يعمل الكاتب على توظيفها فهو لم يتوقف عند الحالة اللغوية بل حاول أن يربط التناغم بين الجملة ومفهومها وهذا يعني بأن معنى الكلام هو اللغة وليس اللسان وإن اللغة هي التعبير اللفظي للفكر سواء كان داخلياً أم خارجياً .( 1)

    ( قالت له لماذا كلما رأيتك تتحول إلى ثلج يهطل فوق صقيع قلبي ؟ قال لها : ولماذا كلما التقيتك يحرق ثلجك أحلام نهاراتي ؟ قالت له : ألا تعرف أننا ننبض عطشاً رملياً . قال لها: لماذا لا نحول الثلج إلى أفراح للسنابل ؟ ابتسمت وقالت : لقد تأخرت ،فالجدول أنضبه الجفاف )ص27

    وظل الكاتب التدمري يعمل على تحميل الشخصية الحدثيّة في القصة فيجعلها تضرم الحوار وتسرع في إحراق المسافات كي تصل الفكرة بالسرعة القصوى فيعمل من خلال سرد متباين الوقع فهو يحاول قلب الموازين ويعمل على خلق الشخصية التي تتنقل ضمن اتلزمان وحبكة الحدث فهي كائن متحرك سريع التفاعل والتماهي كقطعة الزبدة التي تذوب لمجرد تعرضها للحرارة

    فالشخصية عنده تتميز بقوة سردية تظهر دور القصة القصيرة جداً لما لها من دور في عمليات بناء القصة ، فالشخصية تبعد القص عن المقالة ، فما يميز المقالة عن العمل القصصي هي الشخصية التي تحمل أهمية اللغة الإخبارية التي يكون تواجدها









    كالرياح العاصفة التي تسبب اقتلاع الأشجار، ويعتمد الكاتب على أهمية الشخصية البصرية التي نلاحقها بأعيننا وفكرنا ، وكأننا نحاورها ونطاردها بأنظارنا ، وهذا ما يجعل شخصياته ذات حالة بسيطة أو مركبة فعندما يقول الكاتب (توقفت ) هي حالة بسيطة ، ولكنه عندما يقول (كلما توقفت على ضفاف صمتك)ص19 فهذه الحالة مركبة ومعقدة وتظهر العلاقة الجدلية ذات النمط الفلسفي في صياغة الصورة الشخصية التي دلت عليها الحالة ، هنا نرى تمكن الأديب في خلق النبض القصصي المميز في كتابته القصيرة جداً

    (من شرفة الغروب رأته يقلم شجيرات الورد ،من ردائها الحريري قطعت زر ورد ورمته به ،نظر إليها وقال :أيمكن للحرير أن يغوي الشوك)ص68

    وهكذا تنبعث اللغة عند التدمري لتخلق الشخصية، فيتوظف المكان وما فيه من أشياء ليكون وعاءً تتخلق فيه كلمات السرد التي تبين الكائن المرصود فيعبر عن ذاته ويحدد عمق تفاصيل المسألة التي حمّلتها قوة اللغة أهميتها الكبيرة بالنسبة للأديب فالتدمري يحافظ على دقة تعابيرهطوال مراحل القص القصير ، وهو يبقى واعياً لما يكتب حتى لو عمل على قلب بعض المعاني وتوريتها ، فهو على دراية كاملة بتحميل الشخصية ما يريد من لغة و مستويات فكرية.

    ( في الحبق المفتون بجمالها سافرت .حملت زوادة قلبها شعراً جميلاً وعندما صادفته ، كان يمشي في تسبيحة الضوء ، مجرد ظل رجل قصير القامة)

    ص71الحبق

    5-

    وإذا لم تكن لغة القص أنيقة ودافئة ، فالهدف منها يذوب ويهوي ،والكاتب يترافع أمام سامعه بلغة تجيد القدرة على المتابعة والإصغاء ، فالأديب يراعي درجة المتلقي الثقافية والاجتماعية كما أنه يعرف قيمة إدراج معاني الكلمات والموازنة بينها كي يتمكن المتلقي من معرفة الهدف الذي قدمه الكاتب لذلك كان لابد له أن يجعل الكلام المسرود لحالة من الحالات التي تستطيع تقديم الفهم لما يريد

    ( في قاع جمجمته نامت أحلامه ، لم يعد يرى أو يتذكر في سره قال : ما أقسى الرغبات إن هل الظلام؟ )ص103قسوة الرغبات

    وهنا يطرح الأديب محمد غازي التدمري الزمن في سرد قصته القصيرة ويبين الهدف من زمن السرد وحكائية الكلمات وزمن العلاقة الكلامية في انتقاء الجملة لديه حيث يعمل على عرض متتابع لجملة من خلال تقديم صور رمزية تعيد للوحات قصه أهميتها ، وبذلك نقول لقد وصل الأديب لما يريد فكتب قصة ً جعلته يخلق جواً يحمل عقدة تميل نحو المعرفة والفكر ، فهو يفتح باب السؤال والتشويق منذ الوهلة الأولى في كتابة قصه .



    هوامش: 1- المفكر الفرنسي أندريه لا لا ند

      مواضيع مماثلة

      -

      الوقت/التاريخ الآن هو السبت أبريل 27, 2024 3:16 am