سيرة ذاتية للجميع
تطلع جديد لكتابة رواية
أضاءت ومضة من المعرفة
سامر أنور الشمالي
إن عالم الرواية هو العالم المختلف عن غيره ، وهو الأغلب والأعم، لأنه عالم الفن الذي يراه الراوي فينخرط فيه ،ويصوره من خلال أحداث الرواية التي تزداد تراكماً وتكثيفاً ،فالرواية تتطلب من الكاتب أن يرجح الموضوعية والعقل، واستخدام الخيال وقد يبدو لكل كاتب عالمه الخاص لكنني أقول بأن أي عالم من العوالم التي نراها ليست مجرد عالم أحلام، فالكاتب يستخدم في الرواية الخيال، ولكنه يستخدمه على أمل بعث عالم جديد .
لذلك نرى أن هناك أساليب كثيرة في الكتابة الروائية، يفهمها الكتّاب ويقدرون ما يقومون به من كتابات، ولا توجد طريقة واحدة لوصف الأساليب المتباينة التي يراها الرواة في فن الرواية، فالأدوات متشابكة ومتداخلة، وكل وسيلة تقتضي أدوات مخصصة لتطوير الكتابة الروائية، وهذا بمعناه هو كل ما يحتاجه الراوي إلى معرفته من التاريخ، ومع ذلك فالرواية ليست تاريخاً، وإنما هي أحلام وحقائق وفن يميل إلى الغموض والانعتاق، وهذا يتيح الفرصة لمعرفة تفاصيل العمل الروائي والاختلاف بين كاتب وآخر ، وجيل وآخر، وقد جمع الكاتب سامر أنور الشمالي هذه الميزة، وقدمها في روايته( سيرة ذاتية للجميع ) فهناك أشياء ذات معان كثيرة لأنها تمس نفوسنا المتعددة الجوانب ،فالعقل ذاتٌ في مجال التعامل مع ما نسميه حق وخير وجمال
1 -
إن الأفكار التي يزعم الكاتب بأنه يبدأ منها بالفعل هي الوقائع والمعطيات التي تخلق عنده الفعل الروائي ويعلن الكاتب أن الأشياء الموجودة في العالم تميل نحو القلق، ويرى أنه يدرك أن ا لرواية يمكنها أن توضح الفرق بين الواقع والخضوع للكلمات وتكامل التجربة اللازمة لممارسة الحياة فقوة النظرة ومهارة التجربة تغني المحمول الروائي وتبعثه ،والتطلعات التي تسكن ذات الكاتب تنعكس على تطور العمل وتميزه.
إن ظاهرة الضعف في التعبير، هي من مظاهر قلة الإنتاج الفكري وممارسة كتابة الرواية التي تتوعر مسالكها أمام بعض المندفعين نحوها، تهدد هذا الجنس من الأدب فالكاتب يعرف أن جوانب الرواية أرض محاطة بالألغام والأسلاك الشائكة لذلك دخل بوابة الرواية بأمواج عالية، تتلاطم فيها كل المحاولات ، فالتقابل والتناهي ، واستلاب اللحظات دفعت بالأديب نحو التواصل مع الومضات اللامعة في آخر نجم أراد التواصل معه ، فالناس تعلموا من خلال التجارب وانخرطوا وسط المشكلات الصعبة وتحدثوا عن الفلسفة والحقيقة والفهم والكاتب سامر الشمالي عمل على كتابة نص يكون أكثر تعقيداً فلم ينزعج لخروجه عن المألوف غير المفسر لأنه يدرك بأن هناك الكثير من البحث الأدبي مكرس بصورة مقررة لهذه الغاية ،فقد أراد أن يتجول ضمن المدارس الأدبية والأجناس التي تندرج خلالها من شعر وكتابة مبيناً سبب ذلك والكتابة التي حملت الكثير من الرموز المتداخلة، جعلت الغموض يلف صورة الكاتب ويغلفها بكثافة ضبابية تخلق جواً يدل على التمكن من التواصل مع العقول التي تدرك ماهية المقدمات رغم الكثير من الرياح المجهولة المنشأ.
( كل البدو يعيشون رحلاً في الصحاري ولكنني أكثرهم تنقلاً فأنا أمتطي حصاني الأشهب لأجوب القفار والفيافي باحثاً عن الكلأ ، وعندما أجد النبات ، وإن كان شوكاً يابساً ،أستبشر خيراً وأوسع دائرة بحثي في المنطقة ذاتها علني أعثر على مكان يكثر فيه العشب ) ص11-12
2-
يمكننا أن نقرأ الكلمات وأن نحلل ما فيها من معايير يظنها بعض القراء بأنها بحث عن العشب والماء ورحلة بدوية عادية ،إنها رؤية الكاتب الفكرية للحياة التي تسمو بالعلم وتنهض بالثقافة ،فالأفكار كالنباتات التي تزهو بها الصحاري ، فالمسيرة التي اختلقها الكاتب قاطعاً فيه الكثير من المفازات إنما هي قدرته على الكتابة والعمل على ترميد الثقافة في أتون المجتمع الذي ينتمي إليه ،فالمعرفة هي الجذر الذي يصغي إليها الكاتب لأنها حلمه المشرق ،وعندما يلجأ إلى التحليل فهو تأويل للظن وجعل القارئ يجهد نفسه كي يصل إلى مبتغاه ، فالتأويل عنده هو الاهتمام على قراءة النص والسعي إلى إزاحة النقاب عن التكوينات التي أنتجها النص ، أي عن عمل الأحلام ،فلذلك نراه يركز بشكل خاص على الالتباس والحذوفات والإبهام الذي يمكن أن يوفر طريقة للنفاذ إلى الدوافع التي يشترك في تكوينها
( على سطح السفينة خطر في ذهني المخطوط فهرعت أبحث عنه بين حوائجي وتناولته بفرح عارم عكس شعوري الخائب عندما عثرت عليه مصادفة ، تأملت المخطوط بدهشة ثم قلبت صفحاته ، وألقيت عليه نظرة عجلى لفت نظري أن بعض أوراقه غير مكتوبة ، شرعت أزيل ما علق بالمخطوط من رمال في طقس أولي لبدء قراءته ،متسائلاً في نفسي ، هل كان كاتبه يتصور أو يرغب بأن يقرأ مخطوطه سواه ؟ أم هذا الشأن لم يكن يعنيه) ص26-27
3-
إن المحتوى الكامن والدوافع الواعية التي اشتركت في تكوين الرواية عند الكاتب تقوم على تجاذبات نقاط التوتر في السرد والكلمات التي لم يقلها وكلمات قيلت ، والتفافات منهجية تستعمل الفكرة من مقتبسات عديدة تدل على محاولاته إعادة كتابة المقولات التي سبق وقرأها فالكاتب يعيش بقلق التأثير وهذا يظهر عن طريق صياغته للرواية وهكذا يلجأ الكاتب وقد أثقل عليه الجنس الروائي مهمة الكتابة بقوة مؤثرة وبهذا المعنى يمكن قراءة كل المقاطع الروائية بوصفها إعادة لكتابات تأثر بها الأديب وهذا حق شرعي له حيث أن الكتابة الإبداعية هي إعادة صياغة بشكل جديد للنص ،فالموضوعات موجودة وعلينا تجديد صياغتها وهذا ما قد تمكن منه الكاتب وعمل عليه، وهذا يعني توسيع حدود الرواية إلى درجة تفقد عندها خصوصيتها وتحديدها ، وتصطدم بإشكاليات المنهج وموضوعات البحث .
(ألا تشعر بالغربة في هذه القرية النائية أن تعرف كل من تراهم ،يشعرك بأنك لست غريباً عن المكان حتى أن لم تولد فيه ، فالغربة الحقيقية أن لاترى سوى الغرباء الذين لا تتبادل معهم حتى التحيات العا برة ) ص 55
4 –
إن الأسلوب الذي يتبعه الكاتب من خلال محاذاته نجده يمتطي رؤية جبران وميخائيل نعيمة ، ويعيد من خلال رؤيته صياغة نماذج جديدة فالكتابات التي تتواصل ليست بحاجة إلى تعريف فأرنست همنغواي شعر بالغربة والقساوة فرحل إلى البعيد ليجد نفسه بين غرباء يفهمونه ويحبونه إذاً هي الأمور تعاد وتصاغ كما يصيغ الفنان لوحته من الألوان نفسها التي صيغت منها لوحة سابقة له وللآخرين .... وهذا هو المزج بين ما نسمعه وما نقرأه والإبداع في إخراج ذلك لأن التوضعات التي يصفها الكاتب تدل على تفكيره في بنية المادة اللغوية المستعارة من أمهات الكتب واللغة وهو يطلق منطقية الرأي ويعمل على إثبات الفرضية التي يعمل عليها فالمعرفة هي كل العلوم الثقافية التي تحاربها القوى الباطشة وتدمرها ، لذلك قرر الأديب أن يخص نفسه ولو بصفحة في هذه الرواية لأن تواجده يتطلب أن يخرج من خلال السطور ليدخل إلى العقول ، ويتفاعل مع الموجودات التي لم يلحظها الكثيرون الذين قرؤوا ما كتب ، فالرواية التي أرادها هي قوة جديدة تدل على مناداة جديدة لم تتفاعل مع الآخرين بواسطة الانتشار غير إنها حالة صحية جيدة تحمل بؤرة ضوئية ترهق من يريد تجميعها ،فالكثيرون لم يفهموا كتابة الراوي ومثاقفته بل تململوا من متابعته وتفهم كتابته ، لقد أرسل الأديب ذبذبات ضوئية تكاد تخلق محرقاً بؤرياً يمكن أن يصبح في المستقبل شعاعاً نورانياً يحمل الكثير من التباينات .
( جلست أقرأ الكتاب الذي أخذني من عالمي ببساطة وسهولة غريبتين ،لأعيش في عوالم قديمة مع أناس ماتوا منذ زمن بعيد ، ولكن أفكارهم حاضرة في هذا الكتاب الذي ظل حياً فشعرت بأحاسيس مختلفة لم أعهدها في نفسي من قبل ) ص83
5 –
ألا يعني هذا التوسيع لمفهوم الرواية أن ثمة سبباً يدفع اهتمام الكاتب لتحليل المواقف لعدد من الشخصيات التي اقتبسها في فصوله كقحطان العوسجي – وغدير بن مرجان –ومحمد عبد الرحمن – ومريم قنديل – وسامي كريم – مطابقة للطقس الحديث والتولع بالجديد الذي يثير النفس عند الكاتب ويغويه ،فهو يحاول هجر السبل القديمة ويعمل بجدية الحداثة وقوتها ، فالكتابة عنده تفحص لأنظمة الأدلة الروائية والدفاع عنها فهو يعمل على إضفاء المعنى في تعميق معرفتنا الثقافية المبرمجة والممنطقة وهي تعابير تتماشى مع كون القارئ شخصاً مسؤولاً يرتبط بصلة بسيطة مع الكتابة حيث أن وراء كل سلوك كتابي حافز يوصل المتلقي إلىالمتعة
( أعني أن السجين على الأرض أكثر حرية منا حيث يستطيع أن يتحرك مثلما يرغب وأن يركض أو يسبح في الملعب وأن يقوم عن كرسيه المثبت أمام طاولة الكمبيوتر لينام على سرير حقيقي ) ص111
إنه يرفض تلك الحرية التي تكبلها آلاف القيود ،فالعمر لا يحتمل كل هذه المضايقات التي تحيط به ، فالرموز التي أكدها الكاتب برجال الفضاء هي محاولة للهروب من متاهات العالم السياسي الذي يحرم الناس حقوقهم من الكثير من الآراء وهكذا فالرواية سيرة ذاتية للجميع برزت من خلال نفسها دون الحاجة إلى عوامل البروز والتطاول وعملت على رصد نزعات نفسية تتطلع إلى كل الإرتكاسات التي غدرت بالإنسان في كل مكان ، فالإنسان يعيش في غربة إنسانيته ،والضوء الذي يريده أن يشع في عالمه يخنقه إنسان يفرض سطوته ...وروعة الكتابة جعلت الأديب يترك مسافة طوباوية لكل فرد يريد أن يلقي بما لديه في مساحة غير محدودة وهذه نقطة تدخل رصيد الكاتب فالمشاركة لوحة جماعية تخلقها التناقضات فالفكر لم يكن في يوم من الأيام في حالة توافق مع الآخر
علي الصيرفي
تطلع جديد لكتابة رواية
أضاءت ومضة من المعرفة
سامر أنور الشمالي
إن عالم الرواية هو العالم المختلف عن غيره ، وهو الأغلب والأعم، لأنه عالم الفن الذي يراه الراوي فينخرط فيه ،ويصوره من خلال أحداث الرواية التي تزداد تراكماً وتكثيفاً ،فالرواية تتطلب من الكاتب أن يرجح الموضوعية والعقل، واستخدام الخيال وقد يبدو لكل كاتب عالمه الخاص لكنني أقول بأن أي عالم من العوالم التي نراها ليست مجرد عالم أحلام، فالكاتب يستخدم في الرواية الخيال، ولكنه يستخدمه على أمل بعث عالم جديد .
لذلك نرى أن هناك أساليب كثيرة في الكتابة الروائية، يفهمها الكتّاب ويقدرون ما يقومون به من كتابات، ولا توجد طريقة واحدة لوصف الأساليب المتباينة التي يراها الرواة في فن الرواية، فالأدوات متشابكة ومتداخلة، وكل وسيلة تقتضي أدوات مخصصة لتطوير الكتابة الروائية، وهذا بمعناه هو كل ما يحتاجه الراوي إلى معرفته من التاريخ، ومع ذلك فالرواية ليست تاريخاً، وإنما هي أحلام وحقائق وفن يميل إلى الغموض والانعتاق، وهذا يتيح الفرصة لمعرفة تفاصيل العمل الروائي والاختلاف بين كاتب وآخر ، وجيل وآخر، وقد جمع الكاتب سامر أنور الشمالي هذه الميزة، وقدمها في روايته( سيرة ذاتية للجميع ) فهناك أشياء ذات معان كثيرة لأنها تمس نفوسنا المتعددة الجوانب ،فالعقل ذاتٌ في مجال التعامل مع ما نسميه حق وخير وجمال
1 -
إن الأفكار التي يزعم الكاتب بأنه يبدأ منها بالفعل هي الوقائع والمعطيات التي تخلق عنده الفعل الروائي ويعلن الكاتب أن الأشياء الموجودة في العالم تميل نحو القلق، ويرى أنه يدرك أن ا لرواية يمكنها أن توضح الفرق بين الواقع والخضوع للكلمات وتكامل التجربة اللازمة لممارسة الحياة فقوة النظرة ومهارة التجربة تغني المحمول الروائي وتبعثه ،والتطلعات التي تسكن ذات الكاتب تنعكس على تطور العمل وتميزه.
إن ظاهرة الضعف في التعبير، هي من مظاهر قلة الإنتاج الفكري وممارسة كتابة الرواية التي تتوعر مسالكها أمام بعض المندفعين نحوها، تهدد هذا الجنس من الأدب فالكاتب يعرف أن جوانب الرواية أرض محاطة بالألغام والأسلاك الشائكة لذلك دخل بوابة الرواية بأمواج عالية، تتلاطم فيها كل المحاولات ، فالتقابل والتناهي ، واستلاب اللحظات دفعت بالأديب نحو التواصل مع الومضات اللامعة في آخر نجم أراد التواصل معه ، فالناس تعلموا من خلال التجارب وانخرطوا وسط المشكلات الصعبة وتحدثوا عن الفلسفة والحقيقة والفهم والكاتب سامر الشمالي عمل على كتابة نص يكون أكثر تعقيداً فلم ينزعج لخروجه عن المألوف غير المفسر لأنه يدرك بأن هناك الكثير من البحث الأدبي مكرس بصورة مقررة لهذه الغاية ،فقد أراد أن يتجول ضمن المدارس الأدبية والأجناس التي تندرج خلالها من شعر وكتابة مبيناً سبب ذلك والكتابة التي حملت الكثير من الرموز المتداخلة، جعلت الغموض يلف صورة الكاتب ويغلفها بكثافة ضبابية تخلق جواً يدل على التمكن من التواصل مع العقول التي تدرك ماهية المقدمات رغم الكثير من الرياح المجهولة المنشأ.
( كل البدو يعيشون رحلاً في الصحاري ولكنني أكثرهم تنقلاً فأنا أمتطي حصاني الأشهب لأجوب القفار والفيافي باحثاً عن الكلأ ، وعندما أجد النبات ، وإن كان شوكاً يابساً ،أستبشر خيراً وأوسع دائرة بحثي في المنطقة ذاتها علني أعثر على مكان يكثر فيه العشب ) ص11-12
2-
يمكننا أن نقرأ الكلمات وأن نحلل ما فيها من معايير يظنها بعض القراء بأنها بحث عن العشب والماء ورحلة بدوية عادية ،إنها رؤية الكاتب الفكرية للحياة التي تسمو بالعلم وتنهض بالثقافة ،فالأفكار كالنباتات التي تزهو بها الصحاري ، فالمسيرة التي اختلقها الكاتب قاطعاً فيه الكثير من المفازات إنما هي قدرته على الكتابة والعمل على ترميد الثقافة في أتون المجتمع الذي ينتمي إليه ،فالمعرفة هي الجذر الذي يصغي إليها الكاتب لأنها حلمه المشرق ،وعندما يلجأ إلى التحليل فهو تأويل للظن وجعل القارئ يجهد نفسه كي يصل إلى مبتغاه ، فالتأويل عنده هو الاهتمام على قراءة النص والسعي إلى إزاحة النقاب عن التكوينات التي أنتجها النص ، أي عن عمل الأحلام ،فلذلك نراه يركز بشكل خاص على الالتباس والحذوفات والإبهام الذي يمكن أن يوفر طريقة للنفاذ إلى الدوافع التي يشترك في تكوينها
( على سطح السفينة خطر في ذهني المخطوط فهرعت أبحث عنه بين حوائجي وتناولته بفرح عارم عكس شعوري الخائب عندما عثرت عليه مصادفة ، تأملت المخطوط بدهشة ثم قلبت صفحاته ، وألقيت عليه نظرة عجلى لفت نظري أن بعض أوراقه غير مكتوبة ، شرعت أزيل ما علق بالمخطوط من رمال في طقس أولي لبدء قراءته ،متسائلاً في نفسي ، هل كان كاتبه يتصور أو يرغب بأن يقرأ مخطوطه سواه ؟ أم هذا الشأن لم يكن يعنيه) ص26-27
3-
إن المحتوى الكامن والدوافع الواعية التي اشتركت في تكوين الرواية عند الكاتب تقوم على تجاذبات نقاط التوتر في السرد والكلمات التي لم يقلها وكلمات قيلت ، والتفافات منهجية تستعمل الفكرة من مقتبسات عديدة تدل على محاولاته إعادة كتابة المقولات التي سبق وقرأها فالكاتب يعيش بقلق التأثير وهذا يظهر عن طريق صياغته للرواية وهكذا يلجأ الكاتب وقد أثقل عليه الجنس الروائي مهمة الكتابة بقوة مؤثرة وبهذا المعنى يمكن قراءة كل المقاطع الروائية بوصفها إعادة لكتابات تأثر بها الأديب وهذا حق شرعي له حيث أن الكتابة الإبداعية هي إعادة صياغة بشكل جديد للنص ،فالموضوعات موجودة وعلينا تجديد صياغتها وهذا ما قد تمكن منه الكاتب وعمل عليه، وهذا يعني توسيع حدود الرواية إلى درجة تفقد عندها خصوصيتها وتحديدها ، وتصطدم بإشكاليات المنهج وموضوعات البحث .
(ألا تشعر بالغربة في هذه القرية النائية أن تعرف كل من تراهم ،يشعرك بأنك لست غريباً عن المكان حتى أن لم تولد فيه ، فالغربة الحقيقية أن لاترى سوى الغرباء الذين لا تتبادل معهم حتى التحيات العا برة ) ص 55
4 –
إن الأسلوب الذي يتبعه الكاتب من خلال محاذاته نجده يمتطي رؤية جبران وميخائيل نعيمة ، ويعيد من خلال رؤيته صياغة نماذج جديدة فالكتابات التي تتواصل ليست بحاجة إلى تعريف فأرنست همنغواي شعر بالغربة والقساوة فرحل إلى البعيد ليجد نفسه بين غرباء يفهمونه ويحبونه إذاً هي الأمور تعاد وتصاغ كما يصيغ الفنان لوحته من الألوان نفسها التي صيغت منها لوحة سابقة له وللآخرين .... وهذا هو المزج بين ما نسمعه وما نقرأه والإبداع في إخراج ذلك لأن التوضعات التي يصفها الكاتب تدل على تفكيره في بنية المادة اللغوية المستعارة من أمهات الكتب واللغة وهو يطلق منطقية الرأي ويعمل على إثبات الفرضية التي يعمل عليها فالمعرفة هي كل العلوم الثقافية التي تحاربها القوى الباطشة وتدمرها ، لذلك قرر الأديب أن يخص نفسه ولو بصفحة في هذه الرواية لأن تواجده يتطلب أن يخرج من خلال السطور ليدخل إلى العقول ، ويتفاعل مع الموجودات التي لم يلحظها الكثيرون الذين قرؤوا ما كتب ، فالرواية التي أرادها هي قوة جديدة تدل على مناداة جديدة لم تتفاعل مع الآخرين بواسطة الانتشار غير إنها حالة صحية جيدة تحمل بؤرة ضوئية ترهق من يريد تجميعها ،فالكثيرون لم يفهموا كتابة الراوي ومثاقفته بل تململوا من متابعته وتفهم كتابته ، لقد أرسل الأديب ذبذبات ضوئية تكاد تخلق محرقاً بؤرياً يمكن أن يصبح في المستقبل شعاعاً نورانياً يحمل الكثير من التباينات .
( جلست أقرأ الكتاب الذي أخذني من عالمي ببساطة وسهولة غريبتين ،لأعيش في عوالم قديمة مع أناس ماتوا منذ زمن بعيد ، ولكن أفكارهم حاضرة في هذا الكتاب الذي ظل حياً فشعرت بأحاسيس مختلفة لم أعهدها في نفسي من قبل ) ص83
5 –
ألا يعني هذا التوسيع لمفهوم الرواية أن ثمة سبباً يدفع اهتمام الكاتب لتحليل المواقف لعدد من الشخصيات التي اقتبسها في فصوله كقحطان العوسجي – وغدير بن مرجان –ومحمد عبد الرحمن – ومريم قنديل – وسامي كريم – مطابقة للطقس الحديث والتولع بالجديد الذي يثير النفس عند الكاتب ويغويه ،فهو يحاول هجر السبل القديمة ويعمل بجدية الحداثة وقوتها ، فالكتابة عنده تفحص لأنظمة الأدلة الروائية والدفاع عنها فهو يعمل على إضفاء المعنى في تعميق معرفتنا الثقافية المبرمجة والممنطقة وهي تعابير تتماشى مع كون القارئ شخصاً مسؤولاً يرتبط بصلة بسيطة مع الكتابة حيث أن وراء كل سلوك كتابي حافز يوصل المتلقي إلىالمتعة
( أعني أن السجين على الأرض أكثر حرية منا حيث يستطيع أن يتحرك مثلما يرغب وأن يركض أو يسبح في الملعب وأن يقوم عن كرسيه المثبت أمام طاولة الكمبيوتر لينام على سرير حقيقي ) ص111
إنه يرفض تلك الحرية التي تكبلها آلاف القيود ،فالعمر لا يحتمل كل هذه المضايقات التي تحيط به ، فالرموز التي أكدها الكاتب برجال الفضاء هي محاولة للهروب من متاهات العالم السياسي الذي يحرم الناس حقوقهم من الكثير من الآراء وهكذا فالرواية سيرة ذاتية للجميع برزت من خلال نفسها دون الحاجة إلى عوامل البروز والتطاول وعملت على رصد نزعات نفسية تتطلع إلى كل الإرتكاسات التي غدرت بالإنسان في كل مكان ، فالإنسان يعيش في غربة إنسانيته ،والضوء الذي يريده أن يشع في عالمه يخنقه إنسان يفرض سطوته ...وروعة الكتابة جعلت الأديب يترك مسافة طوباوية لكل فرد يريد أن يلقي بما لديه في مساحة غير محدودة وهذه نقطة تدخل رصيد الكاتب فالمشاركة لوحة جماعية تخلقها التناقضات فالفكر لم يكن في يوم من الأيام في حالة توافق مع الآخر
علي الصيرفي