.........

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

5 مشترك

    شخصية الشهر ( محمد الماغوط)

    شادي
    شادي
    مشرف عام


    ذكر عدد الرسائل : 684
    العمر : 41
    مكان الإقامة : سلمية
    تاريخ التسجيل : 17/02/2008

    جديد شخصية الشهر ( محمد الماغوط)

    مُساهمة من طرف شادي السبت ديسمبر 13, 2008 4:15 am

    أهلا بكم في موضوع جديد حيث نخصص الحديث في كل شهر عن شخصية بارزة في حياتنا ..
    واخترنا أن يكون البدء مع الشاعر السوري الكبير ( محمد الماغوط )رحمه الله..
    شاركونا في وضع ملف كامل عن الماغوط هنا..حياته ..لقاءاته الصحفية..أشعاره..ما قيل فيه..وكل شيء عنه..نرحب بمشاركاتكم..
    &&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&





    بداية، نسأل: محمد الماغوط الآن.. لماذا؟
    هل ثمة مناسبة تقضي بنشر "ملف" خاص بهذا الشاعر تحديداً؟
    وهل نستطيع الادعاء برابط ما بين الماغوط، أعماله الشعرية والمسرحية ومقالاته النثرية، وبين ما يجري في عالمنا اليوم، في زمن العولمة، زمن أمريكا وتابعيها، ونحن نقرأ ما يقال عن كون الماغوط ينأى بنفسه عن القضايا الكبرى، ويركز الضوء على التفاصيل والقضايا الصغيرة؟ فهل هو حقاً كذلك؟ أليس هو القائل "سأظل مع القضايا الخاسرة حتى الموت/ مع دمشق القديمة كملامحي"!

    لعل الماغوط من أكثر من أثاروا القضايا الكبرى في تاريخ كتابتنا الشعرية المعاصرة، حتى لو قال هو غير ذلك. فحين يكتب شاعر، في الستينات، عن العدالة الناقصة "العدالة التي تشمل الجميع وتستثني فرداً واحداً ولو في مجاهل الأسكيمو، هي عدالة رأسها الظلم وذيلها الإرهاب. والرخاء الذي يرفرف على موائد العالم ويتجاهل مائدة واحدة في أحقر الأحياء، هو رخاء مشوه".
    وحين يطالب ب "الكل أو لا شيء، طالما أن الشمس تشرق على الجميع، طالما أن السنبلة الأولى لم تكن ملكاً لأحد"، حين يكتب مثل هذا، فهو يجعلنا نتساءل، ونحن نقرأ روايته "الأرجوحة" (كتبها عام 1963، ولم تصدر طبعتها الأولى إلا عام1974)، عن أي إرهاب كان يتحدث الماغوط في ذلك الوقت؟
    وهل كان- آنذاك- ثمة "إرهاب" ناجم عن نقص العدالة، كما يحدث الآن، أم أنه كان حينذاك يرى إلى المستقبل الذي هو "الآن" حقاً؟
    أهي نبوءة الشاعر الرائي، أم ربما كانت القضية مرتبطة بجوهر الصراع في العالم، فهو صراع بين عالمين، صراع تلخصه عبارة في قصيدة، أحياناً، كما في قوله "نزرع في الهجير ويأكلون في الظل"، أو محاورة في مسرحية، أو مشهد في رواية. وهنا يكفي أن نعود إلى قصيدته "الظل والهجير"، ففيها صراع بين "هم ونحن.."، حيث يخاطب الشاعر حبيبته:

    حبيبتي
    هم يسافرون ونحن ننتظر
    هم يملكون المشانق
    ونحن نملك الأعناق
    هم يملكون اللآلئ
    ونحن نملك النمش والتواليل
    نزرع في الهجير ويأكلون في الظل

    (من مجموعة "الفرح ليس مهنتي").

    كان رائياً كبيراً، لأنه كان شاعراً صادقاً وحقيقياً وشرساً، وهذا ما نفهمه من شهادة الشاعر نزار قباني، حين قال له "أنت، يا محمد، أصدقنا..أصدق شعراء جيلنا. حلمي أن أكتب بالرؤى وبالنفس البريء، البعيد النظر الذي كنت تكتب به في الخمسينات. كان حزنك وتشاؤمك أصيلين.. وكان تفاؤلنا وانبهارنا بالعالم خادعاً".
    أما شراسته، شراسة لغته وكلماته، فيصفها الشهيد غسان كنفاني بأنها "كلمات مسلحة بالمخالب والأضراس. ومع ذلك، فإنها قادرة على تحقيق إيقاع عذب ومدهش، وأحياناً مفاجئ. كأن يتحول صليل السلاسل إلى عزف منفرد أمام عينيك ذاتهما في لحظة واحدة".
    فالماغوط، الناثر، لم يترك قضية، كبرى كانت أم صغرى، إلا وراح يُجري جرداً لها في واحد من مقالاته التي درج على نشرها في مجلة الوسط بين 1998و2001، ثم جمعها في كتابه "سياف الزهور" (افتتح الكتاب بقصيدته التي تحمل العنوان نفسه، والموجهة إلى رفيقة دربه سنية صالح). نأخذ من مقال "اغتصاب كان وأخواتها"، مطلعها على سبيل المثال "فجأة، ودون سابق إنذار، ركنوا جانباً قضية فلسطين، وتعثر المفاوضات على المسارات كلها، واستمرار قصف الجنوب، وحصار العراق، واحتمال تقسيمه إلى حارات وأزقة، والحلف التركي- الإسرائيلي، ولوكربي، والمذابح في الجزائر، والوضع المتفجر في البلقان والقرن الأفريقي، وقضية أوجلان.."، فهل ثمة، في الكون، قضايا أكبر من هذه؟
    وهو حين يسخر من السياسة، يحن إلى "الدفاتر المدرسية القديمة.. خاصة تلك التي على غلافها الأخير صورة جدول الضرب، وعلى الغلاف الأول صورة الكشاف أو الطالب المجد بكتابه المرفوع في الهواء، وخطواته الثابتة الواثقة وقد كتب تحتها: إلى الأمام.. لا إلى: مدريد.. وأوسلو وواشنطن وتل أبيب!!". كما أنه لا يجد أغرب من العرب، يلخص حالنا في أن "بلادنا غارقة في المرض والجهل والبطالة والديون والعمالة والجنس والحرمان والمهدئات والمخدرات والوصولية والأصولية والطائفية والعنف والدم والدموع، ونحن مشغولون بغرق تيتانيك". (سياف الزهور، دار المدى، أواخر عام 2001).

    عمر شبانة -موقع جهات


    عدل سابقا من قبل شادي في السبت ديسمبر 13, 2008 6:53 am عدل 1 مرات
    شادي
    شادي
    مشرف عام


    ذكر عدد الرسائل : 684
    العمر : 41
    مكان الإقامة : سلمية
    تاريخ التسجيل : 17/02/2008

    جديد رد: شخصية الشهر ( محمد الماغوط)

    مُساهمة من طرف شادي السبت ديسمبر 13, 2008 6:47 am

    ولد الشاعر محمد الماغوط عام 1934 في مدينة سلمية التابعة لمحافظة حماه السورية
    - يعتبر محمد الماغوط أحد أهم رواد قصيدة النثر في الوطن العربي.
    - زوجته الشاعرة الراحلة سنية صالح، ولهما بنتان (شام) وتعمل طبيبة، و(سلافة) متخرجة من كلية الفنون الجميلة بدمشق.
    - الأديب الكبير محمد الماغوط واحد من الكبار الذين ساهموا في تحديد هوية وطبيعة وتوجه صحيفة «تشرين» السورية في نشأتها وصدورها وتطورها، حين تناوب مع الكاتب القاص زكريا تامر على كتابة زاوية يومية ، تعادل في مواقفها صحيفة كاملة في عام 1975 ومابعد، وكذلك الحال حين انتقل ليكتب «أليس في بلاد العجائب» في مجلة«المستقبل» الأسبوعية،وكانت بشهادة المرحوم نبيل خوري (رئيس التحرير) جواز مرور ،ممهوراً بكل البيانات الصادقة والأختام الى القارئ العربي، ولاسيما السوري، لما كان لها من دور كبير في انتشار «المستقبل» على نحو بارز وشائع في سورية. ‏

    من مؤلفاته :
    1- حزن في ضوء القمر - شعر (دار مجلة شعر - بيروت 1959 )
    2- غرفة بملايين الجدران - شعر (دار مجلة شعر - بيروت 1960)
    3- العصفور الأحدب - مسرحية 1960 (لم تمثل على المسرح)
    4- المهرج - مسرحية ( مُثلت على المسرح 1960 ، طُبعت عام 1998 من قبل دار المدى - دمشق )
    5- الفرح ليس مهنتي - شعر (منشورات اتحاد الكتاب العرب - دمشق 1970)
    6- ضيعة تشرين - مسرحية ( لم تطبع - مُثلت على المسرح 1973-1974)
    7- شقائق النعمان - مسرحية
    8- الأرجوحة - رواية 1974 (نشرت عام 1974 - 1991 عن دار رياض الريس للنشر)
    9- غربة - مسرحية (لم تُطبع - مُثلت على المسرح 1976 )
    10- كاسك يا وطن - مسرحية (لم تطبع - مُثلت على المسرح 1979)
    11- خارج السرب - مسرحية ( دار المدى - دمشق 1999 ، مُثلت على المسرح بإخراج الفنان جهاد سعد)
    12- حكايا الليل - مسلسل تلفزيوني ( من إنتاج التلفزيون السوري )
    13- وين الغلط - مسلسل تلفزيوني (إنتاج التلفزيون السوري )
    14- وادي المسك - مسلسل تلفزيوني
    15- حكايا الليل - مسلسل تلفزيوني
    16- الحدود - فيلم سينمائي ( إنتاج المؤسسة العامة للسينما السورية، بطولة الفنان دريد لحام )
    17- التقرير - فيلم سينمائي ( إنتاج المؤسسة العامة للسينما السورية، بطولة الفنان دريد لحام)
    18- سأخون وطني - مجموعة مقالات ( 1987- أعادت طباعتها دار المدى بدمشق 2001 )
    19- سياف الزهور - نصوص ( دار المدى بدمشق 2001)


    من موقع أدب
    شادي
    شادي
    مشرف عام


    ذكر عدد الرسائل : 684
    العمر : 41
    مكان الإقامة : سلمية
    تاريخ التسجيل : 17/02/2008

    جديد قصيدة ( سلمية)

    مُساهمة من طرف شادي السبت ديسمبر 13, 2008 6:55 am

    سلمية:الدمعة التي ذررفها الرومان

    على أول أسير فك قيوده بأسنانه

    ومات حنينا اليها.

    سلمية...الطفلة التي تعثرت بطرف أوربا

    وهي تلهو بأقراطها الفاطمية

    وشعرها الذهبي

    وظلت جاثية وباكية منذ ذلك الحين

    دميتها في البحر

    وأصابعها في الصحراء.

    يحدها من الشمال الرعب

    ومن الجنوب الحزن

    ومن الشرق الغبار

    ومن الغرب..الأطلال والغربات

    فصولها متقابلة أبدا

    كعيون حزينة في قطار.

    نوافذها مفتوحة أبدا

    كأفواه تنادي..أفواه تلبي النداء

    في كل حفنة من ترابها

    جناح فراشة أو قيد أسير

    حرف للمتنبي أو سوط للحجاج

    أسنان خليفة؛ أو دمعة يتيم

    زهورها لا تتفتح في الرمال

    لأن الأشرعة مطوية في براعمها

    لسنابلها أطواق من النمل

    ولكنا لا تعرف الجوع أبدا

    لأن أطفالها بعدد غيومها

    لكل مصباح فراشة

    ولكل خروف جرس

    ولكل عجوز موقد وعباءة

    ولكنها حزينة أبدا

    لأن طيورها بلا مأوى

    كلما هب النسيم في الليل

    ارتجفت ستائرها كالعيون المطروفة

    كلما مر قطار في الليل

    اهتزت بيوتها الحزينة المطفأه

    كسلسلةمن الحقائب المعلقة في الريح

    والنجوم أصابع مفتوحة لالتقاطها

    مفتوحة_منذ الأبد_لالتقاطها


    من موقع أدب
    شادي
    شادي
    مشرف عام


    ذكر عدد الرسائل : 684
    العمر : 41
    مكان الإقامة : سلمية
    تاريخ التسجيل : 17/02/2008

    جديد لقاؤه مع الجزيرة 2006

    مُساهمة من طرف شادي الإثنين ديسمبر 15, 2008 3:47 am

    عندما أتعب أضع رأسي على كتف قاسيون وأستريح ولكن عندما يتعب قاسيون على كتف مَن يضع رأسه؟ حلوة عيون النساء في باب توما حلوة.. حلوة وهي ترنو حزينة إلى الليل والخبز والسكارى ليتني حصاة ملونة على الرصيف أو أغنية طويلة على الزقاق ليتني وردة جورية في حديقة ما يقطفني شاعر كئيب في أواخر النهار أشتهي أن أكون صفصافة خضراء قرب الكنيسة أو صليبا من الذهب على صدر عذراء تقلي السمك لحبيبها العائد من المقهى وفي عينيها الجميلتين ترفرف حمامتان من البنفسج، أشتهي أن أقبل طفلا صغيرا في باب توما ومن شفتيه الورديتين تنبعث رائحة الثدي الذي أرضعه فأنا مازلت وحيدا وقاسيا أنا غريب يا أمي.

    أهلا وسهلا.. لما دخلت السجن شايفه كيف؟ حسيت أنه بداخلي شيء تحطم بعد السجن كل كتابتي مسرح شعر سينما صحافة حتى أرمم هذا الكسر وما قدرت لحد الآن، هلأ إذا بالليل دق الباب ما أفتح أقول إجوا يأخذوني مع أني محمي الدولة حاميتني وآخذ وسام وبأخاف، السجن مثل الشجرة له شروش شروشه بتروح على القصيدة على المسرحية على الفيلم تروح على الفم اللي عم تقبليه على الصدر اللي عم ترضعي منه على الله اللي عم تصلي له.

    أنا محمد الماغوط أبي اسمه أحمد عيسى وأمي ناهدة الماغوط الأب والأم من نفس العائلة كنا فقراء كثير نحن كنت بخرابو هون في الشام أبي الله يرحمه بعث رسالة أن يرأفوا بحالي لأنني فقير علقوها في لوحة الإعلانات بالمدرسة والرايح والجاي يقرأها ويضحك ومن يومها هربت من المدرسة، ما كان يخطر لي في يوم من الأيام أني أكون أن أصل للذي وصلت له، كنت كل أحلامي كابن ضيعة أتزوج بنت خالتي بنت عمي وأجيب أولاد وعيش بالضيعة وأدفع بدل عسكرية وأخلص، انقلبت الآية دخلت بحزب لم أقرأ مبادئه وصرت من سجن إلى سجن حتى وصلت لعند حضرتك الآن، كانت الدنيا برد وشتوية كان في حزب البعث والحزب القومي حزب البعث في حارة بعيدة وَحْل وكلاب تعوي وجانب بيتنا الحزب القومي وفيه صوبيا دخلت فيه.

    مراسلة الجزيرة: وحزب البعث ما كان عندهم صوبيا؟

    محمد الماغوط: ما أعرف كان مسؤول الحزب هناك سامي الجندي وهو ملاكم وأنا أكره العضلات يسفقني شي بوكس يرجعني لبطن أمي، الدنيا ليل ومطر وبرد قرأت عبلة خوري مذيعة كانت عن إعدام أنطون سعادة استغربت أنا بهذا الليل ليش الإنسان يعدم؟ وبالسجن تعرفت على أدونيس وعملت لهم مسرح في السجن ديكور وإكسسوار وحوار.

    مراسلة الجزيرة: سجن المزة؟

    محمد الماغوط: بالمهجع الرابع وأدونيس كان بالمهجع الخامس كنا دائما أمام بعضنا حتى خليت الشرطة يمثلوا.

    مراسلة الجزيرة: شو المسرحية؟

    محمد الماغوط: ليوسف وهبي شو عرفني! وحتى بمشهد من المشاهد صرت أحكي مصري ومعنا واحد قال لي لا صرنا نقول المرض المهيمن على المجتمع قال لي لا. أحب سنية كثير أشوفها بمنامي كثير أحب بناتي كثير، هادول أظافري اللي أواجه بهم العالم، سنية شاعرة مهمة كثير في فترة كنا بالسجن بنفس الليلة لكن هي بمكان وأنا بمكان، يوم رحت على بيروت أخذت أشعار ناشرها هنا الشتاء الضائع أغنية لباب توما قرأهم يوسف الخال وقال لي يا محمد بدنا لمجلة شعر قصيدة.. ممكن تعمل لنا قصيدة لها المجلة متى تبعثها؟

    قلت له بكرة قال شو بكرة؟ قلت له خلاص بكرة كتبت حزن في ضوء القمر، أيها الربيع المقبل من عينيها خذني إليها قصيدة غرام أو طعنة خنجر.. والله نشرها بأول العدد بعدين كنت أنا بالسجن هربان مُهرب معي قصيدة مذاكرتي قال ما عندك شيء للنشر؟ قلت عندي مذكراتي ومخيط عليها بثيابي الداخلية قال لي هاتها نشوفها والله طبعناها مقاطع اسمها القتل عن سجن المزة التحقيق والاستجواب والضرب واللبط والمسبات والخوف والظلم يعني كله. ضع قدمك الحجرية على قلبي يا سيدي الجريمة تضرب باب القفص والخوف يصدح كالكروان، ها هي عربة الطاغية تدفعها الرياح وها نحن نتقدم كالسيف الذي يخترق الجمجمة، آه ما أتعسني إلى الجحيم أيها الوطن الساكن في قلبي منذ أجيال لم أر زهرة.
    كمال خير بك علاقة عمر والتقينا بسجن المزة ببداية الستينات يوم انقلاب القوميين هرب هو كان من القادة، صديق كارلوس كثير كان هو الموجِّه له كتب عني بأطروحته فصول حلوة كثير اللي أخذها بجنيف دكتوراه، إلياس مسوح سجنت معه وأدونيس سجنت أنا وإياه، صداقة السجن والسفر شغلة والجوع، الخوف حفر في مثل الجرافة جوه بأعماقي بقلبي بروحي بعيني بأذني بركبي الخوف بالركب وهي عم ترتجف أنا ما أرجف من البرد ولا من الجوع أرجف من الخوف. بِعْ أقراط أختي الصغيرة وأرسل لي نقوداً يا أبي لأشتري محبرة وفتاة ألهث في حضنها كالطفل لأحدثك عن الهجير والتثاؤب، فأنا أسهر كثيراً يا أبي أنا لا أنام حياتي سواد وعبودية وانتظار فاعطني طفولتي وضحكاتي القديمة على شجرة الكرز وصندلي المعلق في عريشة العنب لأعطيك دموعي وحبيبتي وأشعاري لأسافر يا أبي. الخوف هو فقدان الحرية انعدام الحرية هذا هو الخوف أنا بطبيعتي ما أنظر أقول كلمة وخلاص اللي يفهمها يفهمها اللي ما يفهمها عمره ما يفهمها، الخوف لا يُشرَح مثل الله لا يُفَسََّر مثل البحر مثل السماء، فيه حدا يعرف شو فيه بالسماء؟ كواكب متصلة ببعضها والخوف سياط كماشات أسنان مقلوعة وعيون مفقوءة عم تغطي العالم والعالم عم يرقص ويغني ولا يبالي، الخوف هو الظلم.

    مراسلة الجزيرة: تعذبت كثير؟

    محمد الماغوط: كثير.. لا أنا المبدأ كان يضايقني أكلت كرباجين ثلاثة ولحد الآن أحكي فيهم وكَفّين ثلاثة على فمي.

    مراسلة الجزيرة: التقيت شي مرة بالسَجّان؟

    محمد الماغوط: نعم بالصدفة.. فتح بياع حلو ودخلت بدي أشتري حلو لقيته قلت له أنت كنت بسجن المزة قال لي مضبوط قال لي أنا كنت موظف وبس وصرنا أصحاب لا أشتري إلا من عنده، مثلاً كان عندنا بالسجن سجانين واحد من دير الزور لئيم كثير وواحد من حوران يده حجمها حجم سهل البقاع خبطته لا توجع هداك لكزته مثل السم، مرة بالسجن جايبين عشان الصلاة راديو وميكروفون.. تعرفي أول أغنية طلعت فيه وهم عم يجربوه يا ظالم لك يوم.. أقسم بالله صرخوا أغلقوا الراديو.. كثير أحبه {وَالنَّجْمِ إذَا هَوَى} ما أحلاها. الآن في الساعة الثالثة من القرن العشرين حيث لاشيء يفصل جثث الموتى عن أحذية المارة سوى الإسفلت، سأتكئ في عرض الشارع كشيوخ البدو ولن أنهض حتى تُجمع كل قضبان السجون وإضرابات المشبوهين في العالم وتوضع أمامي لألوكها كالجَمَل على قارعة الطريق حتى تفر كل هرّاوات الشرطة والمتظاهرين من قبضات أصحابها وتعود أغصاناً مزهرة مرة أخرى في غاباتها. الجوع والخوف والعار والفشل وأنا مع الإمام علي لما يقول الفشل شكل من أشكال الموت.

    مراسلة الجزيرة: تخاف من الموت؟

    محمد الماغوط: لا.. صديقي وأحبه ما أعرف أحكي ما أحكي ما أعرف ما أنظر أكره العقل أكره التنظير.. الحزن هو الوحدة وحدة القلب كل شيء بالعالم حزين رغم الممثلين الكوميديين وأفلام كارتون العالم حزين بضوء القمر أو في الظلام الحزن مثل الله موجود في كل مكان أنا شايفه، كيف بكتابتي أحب دائماً الشيء المريب اللي يلفت النظر أكره الشيء العادي أحب الطويل أو القصير العاهرة أو القديسة اللص أو الشرطي.
    محمد الماغوط: مَن كان مثلي يحب العناوين؟ رياض الريّس وكان يشجعني يعني مثلا سأخون وطني كانت نفحات من المزبلة العربية أو سأخون وطني قال لي لا سأخون وطني وكان ممنوع بقى سنتين ممنوع والكتاب بألفين ليرة بعدين سمحوا فيه، بالنسبة للقافية ما كانت تعني لي شيئا بدلا من البحث عن قافية تركب على البيت كان بدي حذاء ألبسه بدي رغيف آكله بدي محل أنام فيه حتى مرة واحد لغوي يعني شافني على باب مقهى الهافانا قال لي أنت بقصيدة من القصائد وضعت طالما وبعدها اسم.. طالما لا تدخل على الاسم قلت له لا بدها تدخل.. ناس عم يدخلوا السجون على المعتقلات على المصحات العقلية جواسيس طالعة فايتة ما ضاقت عينك إلا من طالما تبعي.. بدك وفعلا هاي راحت معي هيك.. شغلة لأن حتى إذا عندي خطأ لغوي أصر عليه أو مطبعي ما أسمح لأحد يعبث بكتابتي أكتب صح وأنطق صح خلاص شو بدي بقى.. بالنسبة لرواية الأرجوحة قصتها قصة كتبتها في فترة كنت ملاحَق فيها كل أجهزة الأمن كانت عم تدور علي الناصرية والبعثية والقومية كلهم وكاتبها أنا كانت حوالي 150 صفحة كيف بدي أهربها على السلمية لعند أمي؟ فصرت مثلا كلمة حزب أضع لها شخبطة لفوق وسهم إلى تحت أكتب كلمة الحزب جَرَبْ.. كلمة المخابرات حرباية.. وأسهم أسهم من كثرة ما صار فيه أسهم صارت مثل بيوت المسؤولين في الشتاء، راحت الأيام طلب مني رياض الريّس مادة للنشر في الناقد قلت له والله ما عندي شيء جاهز بس عندي رواية عند أمي قال جيبها فجبناها وكنت أوصيت أمي 25 سنة بقيت الرواية تحت رأسها جئت لأقراها لم أفهم شيئا أسهم طالعة أسهم نازلة وشام شريف والشيشكلي وحزب السهرة الراقص منين هي؟ قال لي رياض عندي أجهزة بلندن لفك الخط.. الخط مهما كان معقد قلت إحنا نفس الشيء قلت له هي مكتوبة من خمس وعشرين.. ثلاثين سنة لا نفس المشاعر ولا نفس الأحاسيس فطبعناها كما هي. كنا في البيت أنا قومي سوري وأخي شيوعي وواحد من جماعة أكرم الحوراني وأمي تقول عن ماركس سركيس لا تعرف نطق الاسم.. سمعت عن مجلة الآداب ليوسف إدريس كنت أنا طالب زراعة قلت لنفسي شو طالب زراعة!؟ فكتبت محمد الماغوط دكتور في الزراعة وأرسلت القصيدة فنشروها، مرة وأنا راجع من البستان حافي الدرك قال أنت الماغوط؟ قلت أنا قال تعال معنا قلت شو فيه؟ قال بتعرف حالك شو عامل والله كان قائد الفصيل قاعد ببيته على هضبة وحوله موظفو البلدية والطابور وموظفو النفوس وغيرهم قام وسلم علي قال أنت ناشر قصيدة اسمها النبيذ المر عن فلسطين؟ قلت نعم فيها شيء؟ قال لي لا يعطيك العافية تفضل قعدت أنا وارتحت نفسيا ووضعت رجل على رجل وأنا حافي فاكتشفت كم كنت صغيرا قال أنا عم أبعث لمجلة الآداب ما عم ينشروا لي قلت والله أحكي لك معم. أكره الكرافات لما أكون لابس كرافات وهذا يصير أحيانا لا أفهم ما أحكي ولا أفهم ما أسمع أنا مبسوط ببجاماتي الجدد اليوم فيه اثنين جدد اثنين جايين.

    مراسلة الجزيرة: تحب اللبس؟

    محمد الماغوط: نعم كثير كنت معقدهم ببيروت لعلي الجندي ولعاصي الرحباني باللبس عاصي كان يقول لي يا محمد على الواجهة أشوف الكنزة هيك ألبسها بتصير هيك، بالنسبة لمسرحية العصفور الأحدب كنت ملاحق من كل أجهزة الأمن تمام كالعادة في غرفة نصية لما أقف يطرق برأسي بالسقف فدائماً كنت منحني وأنظر من زاوية على مطعم أبو كمال كل قادة الثورة كانوا يأكلون هناك وأنا أقول لهم أفرجيكم. لن أضع رأسي حيث يضعه الآخرون مثل الشهيد عدنان المالكي في أرقى شوارع دمشق بقبعة وسيف بيدي ونياشين على صدري حتى أعرف مَن صرعه في ريعان شبابه وقلب المنطقة عاليها سافلها وجعلها تتدحرج بكل طاقتها ومواردها وأحزابها ومثقفيها ومطربيها صعوداً وهبوطاً يميناً ويساراً من جبل إلى هضبة إلى سفح إلى نفق إلى كامب ديفد إلى أوسلو إلى صبرا وشاتيلا إلى قانا إلى مدريد إلى ابن لادن إلى علي الكيماوي إلى علي الديك ورَسَم خريطة جديدة لنا وللعالم أجمع لن نكون أكثر من جدار لتعليقها أو بعوضة على إطارها. كل مشاكلنا وتشردنا وجوعنا وسمّونا خونة بالجيش ويسلمونا سلاح من وراء مقتل عدنان المالكي يعني مثلاً قُتل المالكي الساعة الخامسة بالملعب البلدي الساعة أربعة كانوا عم يسألوا عني بالسلمية معناها القصة مرتبة مع أن الذي قتله يونس عبد الرحيم صديقي كثير كان بالشرطة العسكرية كنت أمر لعنده كل ما أنزل من قطنا إلى الشام وكنت عامل عملية لعيني وعليها ضماد والله مررت عليه سألت عنه قالوا لي بمهمة قلت لهم أنا محمد الماغوط قولوا له أنا بحاجة له لأمور ضرورية فيه خطط تغيرت.. والله وحياتك.. اغتالوا المالكي جمعوا كل القوميين ومنهم أنا سنة 1955..

    مراسلة الجزيرة: كثير بشعرك تذكر الأمة العربية؟

    محمد الماغوط: أمة ما فيه عندي نعم دائما حتى انتمائي للحزب كان دائما لجوء للأكثرية الأكثرية تحمي، لما صارت الوحدة هربنا على بيروت هناك التقيت بجماعة شعر يوسف الخال وأنسي الحاج وشوقي أبو شقرا والرحابنة وسعيد عقل بيروت أحبتني كثيرا حبتني حب غير طبيعي وأعطتني شيء غير طبيعي..

    مراسلة الجزيرة: والشام؟

    محمد الماغوط: الشام تأخذ ما تعطي لا تعطي أبداً.. الشام كثير أحبها وسميت بنتي شام. دمشق يا عربة السبايا الوردية وأنا راقد في غرفتي أكتب وأحلم وأرنو إلى المارة من قلب السماء العالية أسمع وجيب لحمك العاري عشرون عاماً ونحن ندق أبوابك الصلدة والمطر يتساقط على ثيابنا وأطفالنا ووجوهنا المختنقة بالسعال الجارح تبدو حزينة كالوداع صفراء كالسل ورياح البراري الموحشة تنقل نواحنا إلى الأزقة وباعة الخبز والجواسيس ونحن نعدو كالخيول الوحشية على صفحات التاريخ نبكي ونرتجف.. أي مسؤول في الدولة يقول لي مسرحيتك أو قصيدتك أو مقالتك حلوة أقول أنا لا هذه كتابتي فيها غلط..

    مراسلة الجزيرة: طب كيف عم تتكرم الآن؟

    محمد الماغوط: ما أعرف أنا يعني الآن إذا أحبوا أن يساهموا مثل كأنني مشروع أنا مشروع قبر يساهموا فيه لا أنا السلطة لا أتصالح معها والأشخاص أشخاص الشاعر عمره لا يكون رفيق سلطة أو صديق سلطة مستحيل عبر العصور أو أنا هذا إحساسي حتى مرة في لبنان هذا سامي الخطيب كان وزير داخلية كان بالمخابرات قال لي شو تشتغل يا ولد؟ وكنا ممسوكين قلت له.. والله يعني بالـ 1959 انقلاب القوميين 1960 – 1961.. قلت شاعر قال لي فيه كيس شَعْر بـ (كلمة نابية) تشيل لي إياه؟ والله العظيم كنت دائما أختلف أنا وسعد الله ونوس إنه يريد حرية وقلت أنا بالعكس القمع هو الأم الرؤوم للشعر وللإبداع، أنا كل ما أكون خائف أبدع وعندي احتياطي من الخوف لا ينضب مثل البترول أحب المجابهة أنا التحدي.. طفولتي بعيدة وكهولتي بعيدة وطني بعيد ومنفاي بعيد أيها السائح أعطني منظارك المقرب علّني ألمح يدا أو محرمة في هذا الكون تومئ إلي صورني وأنا أبكي وأنا أقعي بأثمالي أمام عتبة الفندق وأكتب على قفا الصورة هذا شاعر من الشرق.. هي سعلة المزة..

    مراسلة الجزيرة: لحد ها اللحظة فيه سجناء رأيك داخل وخارج السجون؟

    محمد الماغوط: طالما فيه ظلم لازم يكون فيه سجون شيء طبيعي.

    مراسلة الجزيرة: كيف بتشوف المصائب اللي عم تصير حوالينا وأنت قاعد ببيتك؟

    محمد الماغوط: ماني قاعد عايش الأحداث كلها ومتنبئ فيها أحسن من السكون اللي عم يصير أحسن من السكون المطلق..

    مراسلة الجزيرة: شو تتمنى؟

    محمد الماغوط: إنه ما يبقى سجين على وجه الأرض ولا جائع على وجه الأرض بس أمنية واحدة تكفي.. أنه عجيب حياة سبعين سنة يقدر الواحد يلخصها بخمس دقائق. دموعي زرقاء من كثرة ما نظرت إلى السماء وبكيت دموعي صفراء من طول ما حلمت بالسنابل الذهبية وبكيت فليذهب القادة إلى الحروب والعشاق إلى الغابات والعلماء إلى المختبرات أما أنا فسأبحث عن مسبحة وكرسي عتيق لأعود كما كنت حاجباً قديماً على باب الحزن ما دامت كل الكتب والدساتير والأديان تؤكد أنني لن أموت إلا جائعاً أو سجيناً.

    المصدر"الجزيرة"
    شادي
    شادي
    مشرف عام


    ذكر عدد الرسائل : 684
    العمر : 41
    مكان الإقامة : سلمية
    تاريخ التسجيل : 17/02/2008

    جديد كتب محمد الماغوط

    مُساهمة من طرف شادي الثلاثاء ديسمبر 16, 2008 1:21 am

    وهذه بعض من كتب محمد الماغوط للتحميل المباشر..

    أتمنى من الجميع اضافة روابط يعرفونها لكتب لشاعرنا الكبير..

    سأخون وطني

    حزن في ضوء القمر

    شرق عدن..غرب الله

    المهرج

    شكرا
    شادي
    شادي
    مشرف عام


    ذكر عدد الرسائل : 684
    العمر : 41
    مكان الإقامة : سلمية
    تاريخ التسجيل : 17/02/2008

    جديد االقاء مع "العربية"..روافد مقدم البرنامج: أحمد علي الزين، تاريخ الحلقة: الجمعة 23/7/2004

    مُساهمة من طرف شادي السبت ديسمبر 20, 2008 3:51 am

    أحمد علي الزين: طالما عشرون ألف ميل بين الغصن والطائر، بين السنبلة والسنبلة سأجعل كلماتي مزدحمةً كأسنان مصابة بالكزاز، وعناويني طويلةً ومتشابكةً كقرون الوعل، ولكن بعض الكلمات زرقاء أكثر مما يجب صعبةٌ وجامحةٌ. هذا الرجل المنهدم على كنبته الذي يصغي إلى فيروز، لكي تصل إليه في مخابيه القديمة أو في سجونه أو في حريته عليك أن تستعين بشعره بجنونه أو بصفائه، بغيومه أو بفرحه، بأحزانه بسخريته بحكمته بصَمْته وصَخبه، ولكي تعرفه أكثر رَدّد معه قصيدة السائح مثلاً: (ضع منديلك الأبيض على الرصيف واجلس إلى جانبي تحت ضَوْء المطر الحنون لأبوح لك بسرّ خطيراصرف أدلاءك ومرشديك وألق إلى الوحل أو إلى النار بكل ما كتبت من حواشي وانطباعات إن أي فلاّح عجوز يروي لك في بيتين من العتابا كل تاريخ الشرق وهو يدرّج لفَّافَته أمام خيمته).أحب التسكع والبطالة ومقاهي الرصيف ولكنني أحب الرصيف أكثر، أحب الغابات والمروج اللانهائية ولكنني أحب الخريف أكثر، أحب الشهيق والزفير ورياضة الصباح ولكنني أحب السعال والدخان أكثر. أحمد علي الزين: كم سنة صرلك بتدخن أستاذ محمد؟‌محمد الماغوط: من زمن خلقتي..أحمد علي الزين: من خلقتك.. خلقت إنت والسيجارة، يعني ما وقفت الدخان أبداً؟محمد الماغوط:أنا بعرف.. وقفت بسجن المزة مرغماً..أحمد علي الزين: بسجن المزة مرغماً..محمد الماغوط: مرغماً بالـ 55..أحمد علي الزين: يعني ما كانوا يجيبولك دخان؟؟محمد الماغوط: لأ ممنوع..كان السيجارة أردأ نوع من الدخان يعني يهربونه لنا تهريب براتب الواحد كنت آخذ ثماني ليرات بالشهر أنا، كنت إدفعهن حق السيجارة..أحمد علي الزين: نعم.. نعم.. بتقول بكتاب سياف الزهور: (كل الرياح والعواصف والدموع والأحلام والكوابيس والمناحات خرجت من دفاتري ولا أزال في الصفحة الأولى)، مزبوط بتقول هالشي؟ محمد الماغوط: ايه. أحمد علي الزين: يعني هل أنت إلى هذا الحد الفجائعي مُثْقَل بالانكسار والأحزان؟محمد الماغوط: مو.. قصة لا نصر ولا هزيمة، قصة أنا ما بعرف أعمل شي في العالم إلا الكتابة أو التفكير بالكتابة، أما نتائج المعارك أو المعركة ما بتعنيلي شي.. يعني ما.. ربحت أو خسرت..ما..أحمد علي الزين: نعم.. طيب ليش ما بتحسّ، عندك هالإحساس لم تزل في الصفحة الأولى رغم هالتجربة التي أشرفت على ستين سنة تقريباً؟محمد الماغوط: ما بعرف..هذا إحساسي..أحمد علي الزين: نعم.. طيب محمد الماغوط منذ يعني حوالي خمس سنين لازمت هذا البيت، لم تخرج على الإطلاق.. لم تخرج على الإطلاق يعني وعشت..محمد الماغوط: إي.. إي لازمت.. أربع سنين..إي.. إي..

    غدر وخمر

    أحمد علي الزين: أربع سنين.. وعشت نوع من العزلة يعني شو سبب هالانقطاع عن الحياة عن الخارج؟محمد الماغوط: صُدمت بأحد أعز الناس إلي صدمة قوية كتير، أنا متعوّد على الصدمات، لكن هيّ كانت مثل ما بيقولوا بمسرحية خالد الشرم: (القشة التي قسمت ظهر البعير) فقعدت.. لكن .. وأدمنت على الكحول إدمان غير طبيعي يعني و..و.. أحمد علي الزين: يعني أحد.. أحد الأصدقاء ارتكب خيانة بحقك؟محمد الماغوط: ايه ايه. أحمد علي الزين: فينا نعرف مين؟ محمد الماغوط: ما بدي سمّيه معليش.. ‌أحمد علي الزين: يعني كتار الأصدقاء اللي خانوا محمد الماغوط؟محمد الماغوط: لأ هذا يعني كتار لكن في منهم خيانة ومش خيانة شايف كيف، اللي غدروا فيي ما بحب كلمة خيانة غدر، الخيانة تقيلة يعني، اللي غدروا فيي كتار.. بنسب متفاوتة.أحمد علي الزين: وشو عملت خلال الخمس سنين بالبيت؟محمد الماغوط: أول شي ما آكل شي.. شرب، اشرب ودخّن.. اشرب ودخّن، لكن في عندي شي أنا ما بمشي بخطط, عمري ما عملت خطة شايف كيف؟ مالي رجل خطط ولذلك كنت أفشل عسكري بحياتي في الجيش يعني, وما بحب النصائح، بكره حدا ينصحني، وبكره أنصح حدا – شايف كيف- بعدين عندي ابن أختي طبيب, صار مقيم معي, أقام معي هون, أحمد علي الزين: صار يقدملك نصائح ..محمد الماغوط: لأ, مو نصائح, لأ, نصائح عملية وبلشت يبقى بهديك الفترة اللي بيذكر لي مجرد ذكر: شعر مسرح كذا، لكن حتى فيروز ما كنت أسمع..أحمد علي الزين: يعني مع أنك أنت من محبي فيروز يعني..محمد الماغوط: إي.. إي..أحمد علي الزين: يعني إلى هذا الحد كان القصة مريرة عليك؟محمد الماغوط: مجروح.. مجروح مطعون بأعماقي كنت, أحمد علي الزين: هذا الرجل النسر العتيق, الذي جمع حطام الأيام, وأقام عزلته خلف جدار مليء بالصور والذكريات, تقرأ على مائدته المؤلفة من النبيذ وعقاقير الدواء والدخان, سيرة شاعر مسكون بالتمرد, هذا الرجل الذي يمنحه صوت فيروز أملاً جديداً, لكي تعرفه أكثر سل عنه رفيقة عمره آخر النساء في خيمة حزنه, تقول إنه ولد في غرفة مسدلة الستائر اسمها الشرق الأوسط, ومنذ مجموعته الأولى "حزن في ضوء القمر" وهو يحاول إيجاد بعض الكوى أو توسيع ما بين قضبان النوافذ, ليرى.. ليرى.. ليرى العالم ويتنسم بعض الحرية, وذروة هذه المأساة هي في إصراره على تغيير هذا الواقع وحيداً, ولا يملك من أسلحة التغيير إلا الشعر, فبمقدار ما تكون الكلمة في الحلم طريقاً إلى الحرية, نجدها في الواقع طريقاً إلى السجن, ولأنها - أي الكلمة - كانت دائماً إحدى أبرز ضحايا الاضطرابات السياسية في الوطن العربي, فقد كان هذا الشاعر يرتعد هلعاً إثر كل انقلاب مرّ على الوطن, وفي إحدى هذه الانقلابات خرجت أبحث عنه كان في ضائقة وقد تجره تلك الضائقة إلى السجن أو إلى ما هو أمرّ منه، وساعدني انتقاله إلى غرفة جديدة في إخفائه عن الأنظار. غرفة صغيرة ذات سقف واطئ حشرت حشراً في إحدى المباني بحيث كان على من يعبر عتبتها أن ينحني.. ينحني وكأنه يعبر بوابة ذلك الزمان. أحمد علي الزين: الآن ماذا تفعل الآن؟محمد الماغوط: قاعد. عندي عدة التزامات: عندي أولاً كتبت حوالي مائة قصيدة جديدة..أحمد علي الزين: حلو..محمد الماغوط: عندي مسرحية "قيام جلوس سكوت" مع زهير عبد الكريم قيد الإعداد يعني.. قيد الـ..الـ..أحمد علي الزين[مقاطعاً]: الكتابة..محمد الماغوط: لأ..لأ .. خالصة..أحمد علي الزين[مقاطعاً]: كتبتها..محمد الماغوط: كتبتها وعطيتو ياها، عندي مسلسل تلفزيوني كنت عامل معه بالستينات أنا كاتب شي 15 حلقة، وهلأ بدنا نستأنفه بالأشياء المعاصرة التي طرأت على الحياة العامة، بتناول أشياء سياسية عاطفية تاريخية يعني..أحمد علي الزين: يعني فينا نقول خلال هالأربع سنين أيضاً يعني أنتجت شيئاً..محمد الماغوط[مقاطعاً]: أنتجت..هذا اللي عوّضني، وما بفكر بالموت ما بيعنيلي الموت شي أبداً، يعني بحب الناس كلّن، بس أنا الناس بتنظر لي نظرة يعني ممنوع اغلط، أنا ممنوع اغلط لو بموت من الجوع.. أحمد علي الزين[مقاطعاً]: بالنسبة للآخرين..محمد الماغوط[مقاطعاً]: بالنسبة للآخرين هنّ بيحبوني، يعني ما بيسمحوا لي..أحمد علي الزين[مقاطعاً]: يعني فينا نقول يعني ما ارتكبت خطأ في حياتك..محمد الماغوط[مقاطعاً]: لأ..لأ..لأ..أحمد علي الزين[مقاطعاً]: على الإطلاق..محمد الماغوط[مقاطعاً]: لأ لم أندم على شيء بعمري..أحمد علي الزين[مقاطعاً]: لم تفعل شيء تندم عليه..؟!محمد الماغوط: على كلمة كتبتها.. بجوز على بعض تصرّفات ولدنة ما ولدنة كذا..نسرق مشمش من البساتين..نسرق جاج (دجاج) كذا.. بالنهار.. نسرق بَسكليتات ( دراجات) نركب عليها، لكن شي عن عمد وبوعي لأ..أحمد علي الزين: نعم.. نعم.. يعني بين السلمية عام 1934 شباط 1934 ..محمد الماغوط[مقاطعاً]: لأ 34..أحمد علي الزين: 34 نعم سنة الولادة يعني, واليوم في دمشق عام 2004 سبعين سنة تقريباً.. يعني شو المحطة اللي مرّت بحياتك اللي كنت بتشعر فيها بشيء من الأمل؟محمد الماغوط: أنا عمري ما يئست ولا عمري تفاءلت شفت كيف..؟
    أحمد علي الزين[مقاطعاً]: متشائل يعني..مو متشائل.. يعني على طريقة إميل حبيبي
    لا أفكر وضد الفكر

    محمد الماغوط[مقاطعاً]: لأ..أنا مو متشائل.. على طريقة إميل حبيبي..ما بفكر يعني.. بكره الفكر.. أنا ضد الفكر، لذلك كل شعري ومسرحي صورة.. شفت كيف..؟أحمد علي الزين: نعم.. ولكن بشعرك وبمسرحك في مقدار من السخرية والألم يعني..محمد الماغوط[مقاطعاً]: إي.. هيّ لَقِلَّك يعني شايف كيف..؟ السخرية وهيّه شعر.. وكل إنسان جدّي، جدّي على طول هوّ إنسان مريض.. أيوه.. أحمد علي الزين: نعم.. يعني بتقديرك الكتابة الساخرة هي أبلغ تعبير عن الألم.. عن الوجع؟محمد الماغوط: هي ذروة الألم.. هي ذروة الألم..أحمد علي الزين: وأنت تعيش ذروة الألم؟محمد الماغوط: أنا أعيش ذروة الألم..ولن أصادق الألم.. [فاصل إعلاني]أحمد علي الزين: طفولتي بعيدة.. وكهولتي بعيدة.. وطني بعيد.. ومنفاي بعيد.. أيها السائح أعطني منظارك المقرِّب علَّني ألمح يداً أو محرمةً في هذا الكون تُوْمِئُ إليَّ صوِّرني وأنا أبكي وأنا أقعي بأسمالي أمام عتبة الفندق وأكتب على قفا الصورة هذا شاعرٌ من الشرقفي هذه المدينة (السَّلمية) ولد محمد الماغوط في شباط 1934، شأنه كشأن سائر أبناء فقراء ذلك الزمان, الذين لم تسعفهم الحال للتحصيل العلمي، لذا كانت طفولته على قدر من البؤس والحرمان, الذي تمرَّد عليه لاحقاً في القراءة وفي البحث عن أداته لمواجهة الظلم, وربما عثوره على تلك الأداة التي هي الكلمة فتحت أمامه درباً زرع على جنباتها شجره الباسق, شعراً ومسرحاً، وكانت تلك الكلمة كما تقول زوجته سنيّة صالح, هي بمقدار ما تكون في الحلم طريقاً نحو الحرية, نجدها في الواقع طريقاً إلى السجن، وهكذا عرف الماغوط مبكراً السجون, وخلف قضبانها بدأ يصوغ نصَّه بفرادةٍ جعلته واحداً من كبار شعراء الحداثة, وكتاب المسرح في عالمنا العربي، وإن كان كما يروي في بدايته لا يدرك أهمية ما يكتبه.. أحمد علي الزين: طيب لنعد إلى البدايات إلى.. إلى السلمية أنت حيث ولدت، يعني نحن كما نعلم أو كما تروي ورويت لنا لم تتعلم لم تدخل المدرسة.. يعني دخلت مدرسة..محمد الماغوط[مقاطعاً]: أنا لقلَّك كنت حبّ القرآن كتير جداً.. أخذت(Sertefica) شفت كيف, وشهادة ابتدائية وبعدين دخلت بدّي كَفِّي أدرس زراعة.. الحقيقة أنا دخلت زراعة لأنو داخلي, وداخلي بكون الأكل مجاناً, نحن كنّا فقراء شفت كيف..؟ بعدين اكتشفت إنو..أحمد علي الزين[مقاطعاً]: ما إلك علاقة بالزراعة..محمد الماغوط[مقاطعاً]: لأ.. إنو..ما هدفي مكافحة.. مكافحة الحشرات الزراعية بالحشرات البشرية.. أحمد علي الزين: فلجأت إلى مكافحة الحشرات البشرية..محمد الماغوط [مقاطعاً]: بطريقتي بقى.. أحمد علي الزين[مقاطعاً]: وتقديرك نجحت بهالمكافحة بهالمهمة؟محمد الماغوط: يعني بتصوّر إلى حدٍّ ما.. ما فشلت.. لأنه الفشل مثل ما بيقول الإمام علي: "شكل من أشكال الموت" وأنا بعدني عايش..[[[أنا مع القضايا الخاسرة حتى الموت]]] أحمد علي الزين: ما فشلت طبعاً.. الله.. يعني من بداياتك كنت هيك منحاز لقضايا الناس وقضايا الوطن و..و..محمد الماغوط[مقاطعاً]: إي.. إي.. يعني كل شيء شايف كيف؟ مش شايف كيف؟ كان في عندي إحساس فيه غلط، فيه غلط ما تاريخي لازم يتصلّح بين البشر، فيه خطأ وأنا مع القضايا الخاسرة حتى الموت
    سياسة بلا تفكير

    أحمد علي الزين: بمن تأثرت يعني من أصحاب الأفكار آنذاك؟ يعني.. معروف عنَّك إنت كنت يعني هيك ميَّال للقوميين السوريين. محمد الماغوط: هوّ الحقيقة يعني أنا مثلاً دخلت بالحزب القومي بس ما قريت مبادئه شفت كيف..؟أحمد علي الزين[مقاطعاً]: بدون ما تقرأ المبادئ..؟ محمد الماغوط: بدون ما أقراها لأنه هي الأمور معروفة على صعيد كتير واسع إنّو كانت الدنيا شتا، وجاية حزب القومي وحزب البعث بدهم يفتحوا مكاتب ، حزب البعث مكتبهن بعيد وبرد على الطريق ووحل وكذا، وجنبي القوميين قريب من بيتنا وفي صوبة، فدخلت بتبع الصوبة، يعني المهم صار هيك ودخلت بسجن المزة ولهلأ لاحقتني هالقصة..أحمد علي الزين: طيب أستاذ محمد, بوقت ما أنت هربت من المدرسة الزراعية مبكراً, طبعاً وبدأت تكتب الشعر. يعني كيف؟[[[كتبت مذكراتي على لفافات الدخان...]]]محمد الماغوط: بسجن المزة أنا بعرف من قراءتي لجبران أو المنفلوطي, أو مصطفى صادق الرافعي, أنه كل سنة بيكتبوا مذكراتهم, فكتبت مذكراتي, ما فينا نطلعها لأنه ممنوع, فكان بهديك الأيام في دخان اسمه بافرا ملفوف بورقة شفافة, فكتبت مذكراتي على هالورقة على علبتين, كنا ندبرهم بطريقة ما, بالرشوة وبِالْـهَيْ.. وأخدتهم معي, وأخدتهم بتيابي الداخلية خبيتهم, ورحت على بيروت.أحمد علي الزين: وتروي أيضاً سنية صالح, تقول: قبل ذلك كان محمد الماغوط غريباً ووحيداً في بيروت, وعندما قدمه أدونيس في إحدى اجتماعات مجلة شعر المكتظة بالوافدين, وقرأ له بعض نتاجه الجديد الغريب بصوت رخيم, دون أن يُعلن عن اسمه, وترك المستمعين يتخبطون من هذا؟ هل هذا الشعر لبودلير, أم لرامبو ولكن أدونيس لم يلبث أن أشار إلى شاب مجهول غير أنيق أشعث الشعر, وقال: هو الشاعر. لاشك أن تلك المفاجأة قد أدهشتهم, وانقلب فضولهم إلى تمتمات خفيفة. أما هو وكنت أراقبه بصمت فقد ارتبك واشتد لمعان عينيه, بلغة هذه التفاصيل, وفي هذا الضوء الشخصي نقرأ غربة محمد الماغوط, ومع الأيام لم يخرج من عزلته بل غيّر موقعها من عزلة الغريب, إلى عزلة الرافض.أحمد علي الزين: بالـ (55) أنت التقيت بأدونيس بالسجن تعرّفت عليه, وهذا اللقاء أسّس لصداقة لاحقة.محمد الماغوط: أدونيس بين القوميين اسم معروف, أنا نكرة ولا شي، عرفت كيف؟ بس أنا بتذكر من لما بالسجن كنت أعمل المسرحيات, ألّفها أنا يعني.أحمد علي الزين: كنتوا تمثلوها بالسجن؟محمد الماغوط: كانوا يمثلوها بالسجن.أحمد علي الزين: نعم, نعم, يعني هيدي الموهبة كتابة المسرح من قديم يعني, يعني فينا نقول أن السجن أفادك ككاتب يعني.محمد الماغوط: هو الحقيقة ما بدها عبقرية الكتابة، بدها تكون موهبة وصادق، الصدق هو..أحمد علي الزين: الأساس..بتكون ابن الحياة..محمد الماغوط: أيوه.. صادق أما إذا بتكون أفلاطون وكذاب بتنتهي.أحمد علي الزين: طيب بعد مرحلة سجن المزة هربت..محمد الماغوط: لك حاج تقلّي هربت.أحمد علي الزين: هربت لبيروت..هربت لبيروت..؟ محمد الماغوط: إي هربت على بيروتأحمد علي الزين: إي نعم..وتعرفت على الرحابنة.. محمد الماغوط: وتعرفت على مجلة شعر..أحمد علي الزين: مجلة شعر نعم..[[[تقريباً معظم القصائد كتبتهم في الغربة تحت ضوء القمر، أما أهم قصيدة وهي القتل، فقد كتبتها بسجن المزة، وهي اللي هرَّبتها معي في ثيابي الداخلية]]] محمد الماغوط: الرحابنة فيما بعد، أما لما رحت على بيروت تعرفت على يوسف خان وسكنت ببيت أدونيس كمان استضافني، والله يعين يلّي بيستضيفني ما بطلع..[يضحكان]أحمد علي الزين: أديش أفادتك تجربة بيروت؟محمد الماغوط: كتير.. كتير.. كتير.. لدرجة..أحمد علي الزين: كتبت خلال إقامتك ببيروت؟..محمد الماغوط: إيه معلوم.. أحمد علي الزين: يعني شو أهم الأشياء اللي كتبتها في بيروت؟محمد الماغوط: كتبت يا سيدي..تقريباً معظم القصائد كتبتهم في الغربة تحت ضوء القمر، أما أهم قصيدة هي القتل، كتبتها بسجن المزة، وهي اللي هرَّبتها معي بتيابي الداخلية.. أحمد علي الزين: في السجن الأول..محمد الماغوط: أيوة.. أيوة.. أحمد علي الزين: في بيروت عام 62 خلال الانقلاب اللي..محمد الماغوط[مقاطعاً]: انقلاب القوميين..أحمد علي الزين: كمان سُجنت في بيروت..محمد الماغوط: سجنت كمان في بيروت، إي ورجعت لهون كمان عالسجن، يعني شايف كيف..؟أحمد علي الزين: يعني مشوار حلو كان..؟ [يضحكان] محمد الماغوط: لأ وبالسجن .. يعني أنا فوَّتوني عالسجن، وحتى يجرّموني حطّوني بجناح المحكومين بالإعدام، قواديس وما قواديس لمن قالوا لي شو مساوي؟ إلتلّن الصحافة احتقروني بعدين.. [يضحكان] واللي محكومين إعدام طلعوا قبلي.. [يضحكان] وبعدين رحت على بكفيّا، أبوها لسهام بيشتغل لحام, وأنا عندي جوع مزمن للـ.. أفطر لحم، وأتغدى لحم، وأتعشى لحم، أتغدى وأتعشى، قالت لي سهام: خلصت حصتك روح يلاّ، قلت لها: لأ القصة إلها ذيول أنا بدّي ضلّني هون. [يضحكان]أحمد علي الزين: قصة إلها ذيول.. لأنّو اللحمة قائمة.. طيب لحتى نفلسف الأمور شوي أستاذ محمد..محمد الماغوط: لأ أنا ما بحب فلسفها، أنا ما بدي. أحمد علي الزين: عم بمزح أنا، من خلال إقامتك بالسجن، يعني شو الأسئلة اللي كنت تسأل.. تطرحها على نفسك؟محمد الماغوط: ولا شي، أتذكر أمي وبَيِّي ورفقاتي، البقرة تبعنا والنعجة الحمامات.أحمد علي الزين: ما في أسئلة كبيرة يعني.محمد الماغوط: لا لا لا..كل شي بيطرحوه أسئلة كبيرة زلط، أعظم الأشياء بتنطرح بأبسط العبارات.نترك محمد الماغوط في هذه الحلقة في عزلته مع تبغه وكأسه وأحزانه وسخريته لنعود إليه في الحلقة القادمة حيث سنتعرف على الوجه الآخر للشاعر، على الكاتب المسرحي الذي حقق العديد من الأعمال نذكر منها: غربة، وضيعة تشرين، وكاسك يا وطن لدريد لحام، والمهرّج والمرسلياز العربي، وهذين العملين من إخراج يعقوب الشدراوي، إضافة إلى عشرات الأعمال الأخرى الموزعة بين الشعر والمقالة والكتابة السينمائية والتلفزيونية، وسوف نتعرف أكثر على هذه التجربة من خلال ما يقوله دريد لحام، وما يقوله المخرج يعقوب الشدراوي في تجربتهما مع محمد الماغوط الذي نردد معه في ليله: هناك نحل وهناك أزهار ومع ذلك فالعلقم يملأ فمي هناك طرب وأعراس ومهرجون ومع ذلك فالنحيب يملأ قلبي
    شادي
    شادي
    مشرف عام


    ذكر عدد الرسائل : 684
    العمر : 41
    مكان الإقامة : سلمية
    تاريخ التسجيل : 17/02/2008

    جديد رد: شخصية الشهر ( محمد الماغوط)

    مُساهمة من طرف شادي السبت ديسمبر 20, 2008 3:54 am

    في السجن بدأت الكتابة

    أحمد علي الزين: مثل ما ذكرت حضرتك أن محاولاتك الأولى بكتابة المسرح كانت بسجن المزة.محمد الماغوط: إي بالمزة لأ يعني كنا ..أحمد علي الزين [مقاطعاً]: محاولات صغيرة..محمد الماغوط: محاولات..بحب الحوار أنا، شايف كيف؟ ومشان هيك بشكّ بأصولي العربية. العربي ما بحب الحوار، شفت كيف؟أحمد علي الزين [مقاطعاً]: بيحكي لحاله.محمد الماغوط: بيحكي لحاله.. آه ممنوع يحكي، واحد بيحكي, وواحد بيسمع، أنا بحب الحوار، أنا ما بقول هناك شعب, وهناك مسرح, وهناك صحافة, هناك نص جميل..أحمد علي الزين [مقاطعاً]: بغض النظر عن نوعه.محمد الماغوط: بغض النظر.أحمد علي الزين: عن نوعه.. طيب، يعني لمن قرأت بالمسرح؟ قبل ما تكتب ما قرأت لأحد بيكتب مسرح؟محمد الماغوط: والله ما قرأت.أحمد علي الزين [مقاطعاً]: ما قرأت؟ محمد الماغوط: لا والله.أحمد علي الزين: عجيب، عجيب أمرك.. محمد الماغوط: حتى مثلاً أنا بعد 8 آذار لوحقت قضائياً من أكثر من جهة، فتخبيت ببيت، فكانت تعرف فيه سنية زوجتي، وزكريا تامر صديق عمر هذا، فإجا على بالي بدي أكتب يعني قلت بدي أكتب قصيدة يعني شغلة هيك: العصفور الأحدب، بعدين حسيت وأنا عم بكتب إنه فيه أصوات تانية بدها تحكي, يعني بداخلي أنا، وكفّيت تابعت، وكان السقف واطي كتير هونيك، فظلني أكتب وأنا محني شايف كيف؟ فسمّيتها العصفور الأحدب.أحمد علي الزين: (لقد حطمتني يا رجل, ونثرت الملح القاتل في أكثر جراحي عمقاً وكبرياء, لا أستطيع أن أصغي إلى شرذمة العصافير المرذولة تغني, طالما هناك عصافير حمراء وخضراء تمزقها القنابل وهي على أهبة التحليق، وعذارى نحيلات وسعيدات ينتظرن عشاقهن عند المنعطفات يحضرن الكلمة الجميلة والنظرة الساحرة ليقلنها بين لحظة وأخرى، وعشاقهن ممزقو الرؤوس في الدهاليز, وتحت الأضواء البربرية، لقد جاؤوا إليك من قرى بعيدة لا يعلم إلا الله أين تقع بالسنابل المحطمة، لا لتعيدها خضراء أو حمراء ولكن لتقول لهم فقط: "حسناً أيها الرفاق القدامى عودوا إلى منازلكم لقد رأيتها"، وكما يقول: لقد أفادته تجربة بيروت كثيراً، في هذه المدينة حلّق الماغوط في مجلة شعر, وألف قصائد, وألّف أصدقاء كُثُر منهم يوسف الخال، الأخوين رحباني، ويعقوب الشدراوي، الذي أخرج له عملين: "المرسلياز العربي", و"المهرج". يعقوب الشدراوي (مخرج مسرحي): محمد الماغوط الإنسان الشاعر المسرحي مثل حبة ملبس، الملبسة درجات نكهتها طيبة، بس عالغميق فيه عتمة, فيه غموض, فيه شك, فيه حياة معذبة, فيه جنون, فيه تشاؤم، كابوس.. كابوس مرعب ومتعب بالوقت نفسه, كابوس كوميد مظلل بمسحات مأساوية.أحمد علي الزين: كيف علاقتك بيعقوب؟محمد الماغوط: من بعد ما اختلفنا يوم "المهرج" شايف كيف؟ ما عاد حكيت معه، ما عاد شفته ما تسألني عنه، أنا إذا أنا عندي نص, وبدّي أعطيه لمخرج رغم هالشّي بعطيه ليعقوب.أحمد علي الزين: ليعقوب..يعقوب الشدراوي: الماغوط متناثر غريب، بتتطلع فيه مرِح, مرَحْ وضَحِكْ بيوجّع الخواصر، وبتشوف فيه شغلات تانية مهمة كويسة، ولكن الماغوط لو أنا شاعر كنت بقول عنه: نزوة ومي مرسبة بسقف مغارة جعيتا، وإذا بدّك اختصره للماغوط بقول: "في الهزل جدٌ وفي الجد هزلٌ"، محمد الماغوط هديك الأيام ماغوط العصفور الأحدب, وماغوط المهرج, وقت كنت تقعد معه وتتحاور كان يخطر عبالك رابليه، لما تقرأه كان يخطر عبالك شعر مايكوفسكي الهجائي، ولما كنت تريد تصوّره كنت تقشع بخيالك رسوم دومييه رسام الثورة الفرنسية، هيدا هو الماغوط.[مشهد من مسرحية "كاسك يا وطن""غوار: في حدا بدو يضيّق لي خلقي ويكرّهني عيشتي, لأرحل عن وطني, ما بعرف مين هذا الحدا, من برّة من جوّة والله ما بعرف. بس مين ما كان يكون هذا الحدا, أنا ما بقدر أرحل عن الوطن أنا بدوخ بالطيارة يا أخي, ثم لنفرض إني أنا بعدت عن الوطن ورحلت عنه لبعيد, بس مشكلتي أنه الوطن ما بيبعد عني, بيضل عايش فيّ من جوّة وين بدي أهرب منه؟ وين؟ ( تصفيق حاد) لذلك بدي ضلّ عايش فيه غصب عن اللي ما بدّه, طالما عم بقدر احكي يلي بدي ياه مارح أيأس وبدي ضل أصرخ للغلط غلط بعينك, وبدّي أعمل ثورة بالبطحا, واشرب كاسك ياوطني على رواق, بدي أشرب كاس عزك, ولسّه بدي أكتب اسم بلادي على الشمس اللي ما بتغيب"] أحمد علي الزين: ولمن لا يعرفه, أو لمن يرغب أن يتذكّر هذا الشاعر هو الذي كتب للمسرح والسينما روائع هامة، كالمهرج, والتقرير, والحدود, غربة, وضيعة تشرين, وكاسك يا وطن, وسوى ذلك من الأعمال، وقد جمعته بعض تلك الأعمال بدريد لحام لسنوات طويلة، وجمعت حولهما جمهوراً كبيراً في أكثر من مكان عربي، وللذين تسنَّى لهم أن يشاهدوا تلك الأعمال أعتقد أنه من الصعب أن تخبو ومضاتها في باله
    الماغوط ودريد لحام

    أحمد علي الزين: كيف كانت.. يعني كيف بلّشت العلاقة مع دريد؟ وكيف انتهت؟محمد الماغوط: هي ما انتهت الحقيقة..أحمد علي الزين [مقاطعاً]: بس مرت فترة هيك فتور ومشاكل.محمد الماغوط: هي المهرّج كانت إلو، أول شيء كنت عم بكتبها إلو، بعدين بدّو يتدخّل هوّ قلتلّه لأ..أحمد علي الزين [مقاطعاً]: يتدخل في كتابة النص؟محمد الماغوط: يعني أيوة بالشخصيات والهي، بعدين بحرب حزيران.. بحرب تشرين عملنا ضيعة تشرين, وبعدها غربة, وبعدها كاسك يا وطن, وبعدها شقائق النعمان، وعملتلّه للتلفزيون: وادي المسك، ووين الغرام؟ وبالسينما: الحدود والتقرير.أحمد علي الزين: طيب شو سبب الخلاف لاحقاً؟محمد الماغوط: الخلاف يعني كان عنده غرور، وفيه ناس دخلوا عالخط، شايف كيف؟أحمد علي الزين: في تخريب العلاقة.محمد الماغوط: إي.. إي..ليه يعني؟ لشو النص .. أنت بتطلع عالمسرح بتكفّي.[مشهد من مسرحية"غربة"] دريد لحام (مسرحي): محمد الماغوط أنا بعتبره خزان فرح, وخزان وجع، خزان ألم وأمل بنفس الوقت، وبسبب شاعرية كلمته بخليك غصباً عنك تكون شريكه بكل هدول، فـ.. بقولوا إنه المحبة بالمحبة بتُوْسَع المطارح, بتصير المطارح أوسع, مشان هيك قلب الماغوط واسع الوطن كله بكل فرحه وبكل حزنه. تجربتي معه كانت تجربه كتير.. كتير غنيّة، طبعاً جاءت فترة اختلفنا أنا وإياه بس حتى لما اختلفنا بالرأي ظل حبيبي, وظل صديقي, وظلّ بالنسبة إلي الشاعر الأهم, والكاتب الأهم. [فاصل إعلاني]
    أحمد علي الزين: يقول بدون النظر إلى ساعة الحائط أو إلى مفكرة الجيب أعرف مواعيد صراخي، لا شيء تغيّر أيها الشاعر البري منذ صرختك الأولى يوم ولدت في شتاء يبعد عن صرختك الآن سبعين سنة، لا شيء تغيَّر سوى أن الجدران تعلو بين صراخك وآذان العالم، وسخريتك تعلو والطفل الذي فيك يشاغب ويحاول تسلق تلك الجدران، لا شيء تغيَّر سوى أن احتجاجات محمد الماغوط أخذت أشكالاً أخرى على فظاعة الظلم والهوان.

    مصادر العيش في الشيخوخة

    أحمد علي الزين: طيب، هلأ كيف بتعيش حياتك أستاذ محمد حالياً يعني أنه شو مصادر عيشك مصادر مصادرك المالية؟ الكتابات بتكفي؟ محمد الماغوط: إي يعني أولاً .. يعني هيّ لأ ما بتكفي، لك ممكن يعني الواحد هيّ شايف كيف، عندي تقاعدي.. أحمد علي الزين: كنت موظفاً.. محمد الماغوط: إي متعاقد أنا مع .. وانحلت عالتقاعد بعدين الرئيس بشار الأسد خصصلي راتباً مدى الحياة.أحمد علي الزين: حلو..محمد الماغوط: هي شغلة.. وكتبي بتطلّعلي.. وهيك مناسبات متل مناسبتكن مناسبة كذا..أحمد علي الزين: نحن مناخذ منك. طيب أستاذ محمد مين من اللّي هيك تعاملت معهم على مستوى النص المسرحي وأضافوا للنص شيئاً, يعني أضافوا له بعداً جمالياً آخر..محمد الماغوط: ما حدا لأ ما حدا.أحمد علي الزين: يعني المخرجين ما كانوا لهم أبعاد جمالية؟ محمد الماغوط: لأ وأنا مثلاً ما بحط توقيعي عالنص إلا ما بكون شربان 200 لتر ويسكي, ومدخن 20 ألف كروز دخان.. ما بعطيه هيك يعني أنا..أحمد علي الزين: يعني بتصرف بنزين منيح عليه؟محمد الماغوط: مهما كان يكون مثلاً, يعني لذلك أنا .. هاي المهرج مثلاً دريد.. يعقوب حرف ما شالوا ولا رقم.. أبداًأحمد علي الزين: ما بشيلوا..يعقوب الشدراوي (مخرج مسرحي): الماغوط أنا أخرجت له مسرحية ثانية هي المرسيلياز العربي, والمرسيلياز العربي اللّي اليوم الماغوط ما شافها, ولا حدا لعبها غيرنا لأنه مكتوبة على الدفتر, والدفتر يمكن كان مع انطوان كرباج بعده
    طقوس الكتابة ومصادرها

    أحمد علي الزين: بالشخصيات اللّي هيك كنا نشوفها بهالأعمال أنت يعني كيف كنت تركّبها, من وين بتستوحيها..محمد الماغوط: من الحياة..‌أحمد علي الزين: بتضيف من هذه الشخصية إلى تلك.محمد الماغوط: إي إي.. بطوّر عليها.. ما بكتب شي أنا .. ما فيه شيء كاتبه إلا إلو في ظل بالواقع أحمد علي الزين: يعني إنت مثلاً بتراقب الحياة اليومية في الشارع؟محمد الماغوط: ايه عايشها.أحمد علي الزين: كنت تعطي وقت؟محمد الماغوط: أوه كل حياتي للحياة.أحمد علي الزين: بتعطي وقت بتراقب الناس في الشارع, طيب على سيرة الكتاب أنت.. أين ومتى تكتب؟محمد الماغوط: ما لي أوقات, وما بكتب على طاولة, بحياتي ما كتبت على طاولة, بكتب على ركبتي.أحمد علي الزين: دفتر وقلم رصاص؟ محمد الماغوط: مو رصاص القلم العادي, بحب القلم يكون جميل, والدفتر أنيق, وعلى ركبتي بكتب, كل شي كتبته بعمري علي ركبتي.أحمد علي الزين: وبس تاكل وإنت وصغير كنت تحط الرغيف على ركبتك؟محمد الماغوط: إي طبعاً. أحمد علي الزين: يعني مثل الأكل الكتابة يعني.محمد الماغوط: إي طبعاً..أحمد علي الزين: بدنا ننتقل لموضوع هيك شراكة الحياة, إنت فقدت شريكة حياتك..محمد الماغوط: إي سنية صالح.. أحمد علي الزين: سنية صالح, كانت شاعرة وناقدة.محمد الماغوط: شاعرة وإنسانة عظيمة.أحمد علي الزين: يعني فينا نقول هي كانت آخر الأصدقاء الذين كنت تبوح لهم بهمك وبفرحك وبأسرارك. محمد الماغوط: إي هي هية..أحمد علي الزين: بعد منها ما عاد فيه أصدقاء.محمد الماغوط: صار علاقات هيك عابرة وكذا, لكن متل بقلّها بسياف الزهور: كلهم نجوم عابرة في السماء.أحمد علي الزين: طيب مسافة طويلة هيك بالحياة سبعين سنة ممَّ كنت تخاف؟ وعلى ماذا كنت تخاف؟محمد الماغوط: ليك عمري ما كرهت حدا كراهية..أحمد علي الزين: مش على الكراهية على الخوف. مم كنت تخاف؟محمد الماغوط: من كل شي. أحمد علي الزين: كنت تخاف من كل شي، يعني عندك حذر تجاه الآخرين. محمد الماغوط: بخاف من العصفور.أحمد علي الزين: وبتحبه للعصفور.[[[بحب الزهرة, وبخاف من الزهرة، دائماً أمامي سؤال: نسر خائف، نسر خائف، أم فأر مطمئن؟]]]محمد الماغوط: بحب الزهرة, وبخاف من الزهرة، دائماً أمامي سؤال: نسر خائف، نسر خائف، أم فأر مطمئن؟ أحمد علي الزين: طيب عندما ترى الآن يعني بعين اليوم إلى السلمية أمس وقت كنت صغيراً يعني لمين بتحن؟ لمين بيجرفك الحنين؟ لأي شخص؟ لأي مكان.. محمد الماغوط: كتار يعني كتار اللّي.. رفقات الطفولة هدول. أحمد علي الزين: بتشتقلهن محمد الماغوط: إي بشتقلن كتير, بس هلأ يعني اللّي هاجر, اللّي مات, اللّي انسجن, اللّي..أحمد علي الزين: طيب على مستوى السياسة مين هيك مرق بعالمنا العربي من نجوم سياسية أعجبت فيها بتجربتها بفكرها. محمد الماغوط: ما.. ما حبيت السؤال. أحمد علي الزين: ما حبيت السؤال؟ وأنا ما حبيت الجواب..[يضحكان] طيب بسياف الزهور أيضاً مثل ما بلّشنا بالبداية تحب الشيء ونقيضه, ليه؟ محمد الماغوط: بحب المفارقات بالحياة بتلفت نظري, شفت كيف؟ النسر – الفأر, القمة الحضيض شفت كيف؟ الربيع الخريف, يعني.. وأمثالها.. أحمد علي الزين: وأنت..محمد الماغوط: وأنا باعتبار مالي مثقف, ما مُطَّلع، ما عندي لغات, ما عندي كذا, فشايف كيف؟ بحب الصورة. يعني أنا بكل شعري هيّ الصورة اللّي بتلفت النظر. أحمد علي الزين: وأنت يعني في هذه المفارقات وين بتعيش؟ محمد الماغوط: نعم.أحمد علي الزين: [معلياً صوت] وين بتعيش بهالمفارقات؟محمد الماغوط: شخصية وحدة, أنا إذا كنت عاشقاً, أو حاقداً, أو طفراناً, أو ممتلئاً, أو شي, أنا ما بغيّر, ما بغيّر ولا ببدّل. أحمد علي الزين: طيب إذا بدي أسألك سؤال إله علاقة بالسياسة هيك إذا بدنا نعمل قراءة للمشهد العربي اليوم بتقديرك شو هي الأسباب اللّي أوصلتنا لهذا الـ..؟محمد الماغوط: هو مو ببكّي وهديك الكلمة كمان..أحمد علي الزين: ليه صار فينا هيك؟محمد الماغوط: نعمأحمد علي الزين [بصوت أعلي]: ليش صار فينا هيك؟محمد الماغوط: ما فيه حرية عنا, الإنسان العربي عمره ما عرف وين هي الحرية. أحمد علي الزين: عمره تاريخياً!!محمد الماغوط: بتاريخ حياته ما عرفها, دائماً هناك من يتكلم وعلى الآخر عليه أن يسكت ما في نقاش.أحمد علي الزين: من أجل ذلك أنت كتبت الحوار..محمد الماغوط: أبداً.. أبداً.. أحمد علي الزين: لجأت للحوار.محمد الماغوط: يعني هلأ يعني أهمية المسيحية كلها, بداية لما بطرس قلّن قال الرب أو قال المسيح ما بعرف مين قلّوا، بطرس يمكن اللّي قلّو، قلّو أنا بدي قول كمان. أحمد علي الزين: أنا بدي قول كمان! محمد الماغوط: بدون حوار, أسوأ.. أسوأ.. أسوأ ديمقراطية في الدنيا أهم من أعدل دكتاتور.أحمد علي الزين: قولوا لوطني الصغير والجارح كالنمر, أنني أرفع سبابتي كتلميذ طالباً الموت أو الرحيل, ولكن لي بذمته بضعة أناشيد عتيقة من أيام الطفولة وأريدها الآن, لن أصعد قطاراً, ولن أقول وداعاً ما لم يعدها إلي حرفاً حرفاً ونقطةً نقطة, وإذا كان لا يريد أن يراني أو يأنف من مجادلتي أمام المارة فليخاطبني من وراء جدار ليضعها في صرة عتيقة أمام عتبة ما, أو وراء شجرة ما, وأنا أهرع لالتقاطها ما دامت كلمة الحرية في لعبتي على هيئة كرسي صغير للإعدام..يعقوب الشدراوي (مخرج مسرحي): يا محمد الماغوط بيقولوا لي بعدك شبّ, صار زمان ما شفتك .. من السبعينات, أنا ما بقيت شب ما بعدني شبّ, يمكن منشان هيك بعده عقلي ظاهر بمسرحية المهرج, [يقبل يده] طيري على الشام والزقي بجبهة محمد الماغوط.أحمد علي الزين: هذا الشاعر البري, هذا المتسكّع, والشريد في بداياته, هذا الصعلوك النبيل أو الفطري الصادق, الفريد في نصه لكأنه يحمل في جسده السبعيني كل شقاء السنين, وصخب الأطفال, وفي عينيه كل الدموع, وكل الفرح وفي صوته الأجش الذي جعله التبغ أكثر جرشاً يحمل كل صراخ أطلقه الإنسان من جوع أو تعذيب أو ظلم, في غرفته في عزلته يبقى مشحوناً برغبة الحياة يردد ساخراً: أيها المارة أخلوا الشوارع من العذارى والنساء سأخرج من بيتي عارياً وأعود إلى غابتي
    لوليتا
    لوليتا
    عضو نشيط
    عضو نشيط


    انثى عدد الرسائل : 25
    العمر : 37
    مكان الإقامة : syria
    تاريخ التسجيل : 13/11/2008

    جديد رد: شخصية الشهر ( محمد الماغوط)

    مُساهمة من طرف لوليتا الأربعاء ديسمبر 24, 2008 1:15 am

    فكرة حلوة أنه نخصص كل فترة الحديث عن شخصية مهمة..
    وفعلاً الماغوط شخصية لازم نعرف عنها كل شيء..
    كمان بشكرك شادي على تعبك بجمع المعلومات وبلوم الأعضاء ( ومنهن أنا scratch ) لعدم المشاركة في هذا التحقيق..
    ان شاء الله بتسمحلي الظروف لأضيف شيء إلى ماكتبت
    المحامي ليث وردة
    المحامي ليث وردة
    مشرف


    ذكر عدد الرسائل : 227
    العمر : 44
    مكان الإقامة : سلميــــــة :قصة الحب الأول والصوت الأول بعيداً عن شوارعها أصاب بالكساح وبدون رائحتها أصاب بالزكام
    تاريخ التسجيل : 11/10/2008

    جديد رد: شخصية الشهر ( محمد الماغوط)

    مُساهمة من طرف المحامي ليث وردة الأربعاء ديسمبر 24, 2008 10:28 pm



    من أجمل ما كتب الماغوط . وهي القصيدة الوحيدة التي هربها معه بثيابه الداخلية من سجن المزة ...........
    القتل
    [size=24]
    [b]ضع قدمك الحجريةَ على قلبي يا سيدي
    الجريمةُ تضرب باب القفص
    والخوفُ يصدحُ كالكروان
    ها هي عربةُ الطاغية تدفعها الرياح
    وها نحن نتقدم
    كالسيف الذي يخترقُ الجمجمه .
    . . .
    أيها الجرادُ المتناسلُ على رخام القصور والكنائس
    أيتها السهولُ المنحدرة كمؤخرة الفرس
    المأساةُ تنحني كالراهبه
    والصولجان المذهَّبُ ينكسر بين الأفخاذ .
    كانوا يكدحون طيلة الليل
    المومساتُ وذوو الأحذية المدبَّبه
    يعطرون شعورهم
    ينتظرون القطار العائد من الحرب .
    قطار هائل وطويل
    كنهر من الزنوج
    يئن في أحشاءِ الصقيع المتراكم
    على جثث القياصرة والموسيقيين
    ينقل في ذيله سوقاً كاملاً
    من الوحل والثياب المهلهله
    ذلك الوحل الذي يغمرُ الزنزانات
    والمساجد الكئيبة في الشمال
    الطائرُ الذي يغني يُزجُّ في المطابخ
    الساقيةُ التي تضحك بغزاره
    يُربَّى فيها الدود
    تتكاثرُ فيها الجراثيم
    كان الدودُ يغمر المستنقعات والمدارس
    خيطان رفيعة من التراب والدم
    وتتسلَّق منصّاتِ العبودية المستديره
    تأكل الشاي وربطات العنق ، وحديد المزاليج
    من كل مكان ، الدود ينهمرُ ويتلوى كالعجين ،
    القمحُ ميت بين الجبال
    وفي التوابيت المستعمله كثيراً
    في المواخير وساحات الإعدام
    يعبئون شحنه من الأظافر المضيئه إلى الشرق
    وفي السهول التي تنبع بالحنطة والديدان ...
    حيث الموتى يلقون على المزابل
    كانت عجلاتُ القطار أكثر حنيناً إلى الشرق ،
    يلهث ويدوي ذلك العريسُ المتقدم في السن
    ويخيط بذيله كالتمساح على وجه آسيا .
    كانوا يعدّون لها منديلاً قانياً
    في أماكنِ التعذيب
    ومروحةً سميكةً من قشور اللحم في سيبريا ،
    كثير من الشعراء
    يشتهون الحبر في سيبريا .
    . . .
    البندقيةُ سريعةٌ كالجفن
    والزناد الوحشي هاديءٌ أمام العينين الخضراوين
    ها نحن نندفع كالذباب المسنّن
    نلوِّحُ بمعاطفنا وأقدامنا
    حيث المدخنةُ تتوارى في الهجير
    وأسنان القطار محطّمة في الخلاء الموحش
    الطفلةُ الجميلةُ تبتهل
    والأسيرُ مطاردٌ على الصخر .
    أنامُ وعلى وسادتي وردتان من الحبر
    الخريفُ يتدحرج كالقارب الذهبي
    والساعات المرعبه تلتهبُ بين العظام
    يدي مغلقة على الدم
    وطبقةٌ كثيفة من النواح الكئيب
    تهدر بين الأجساد المتلاصقة كالرمل
    مستاءةً من النداء المتعفّن في شفاه غليظه
    تثير الغثيان
    حيث تصطكُّ العيونُ والأرجل
    وأنين متواصل في مجاري المياه
    شفاه غليظة ورجال قساة
    انحدروا من أكماتِ العنف والحرمان
    ليلعقوا ماء الحياة عن وجوهنا
    كنا رجالاً بلا شرفٍ ولا مال
    وقطعاناً بربرية تثغو مكرهة عبر المآسي
    هكذا تحكي الشفاه الغليظةُ يا ليلى
    أنت لا تعرفينها
    ولم تشمي رائحتها القويةَ السافله
    سأحدثك عنها ببساطة وصدق وارتياح
    ولكن
    ألاَّ تكوني خائنة يا عطورَ قلبي المسكين
    فالحبر يلتهب والوصمةُ ترفرف على الجلد .
    . . .


    [/size][/b]
    المحامي ليث وردة
    المحامي ليث وردة
    مشرف


    ذكر عدد الرسائل : 227
    العمر : 44
    مكان الإقامة : سلميــــــة :قصة الحب الأول والصوت الأول بعيداً عن شوارعها أصاب بالكساح وبدون رائحتها أصاب بالزكام
    تاريخ التسجيل : 11/10/2008

    جديد رد: شخصية الشهر ( محمد الماغوط)

    مُساهمة من طرف المحامي ليث وردة الأربعاء ديسمبر 24, 2008 10:34 pm


    غرفتي مطفأةٌ بين الجبال
    القطيع يرفع قوائمه الحافيه
    والأوراق المبعثرة تنتظر عندليبها
    وندلفُ وراء بعضنا إلى المغسله
    كجذوع الأشجار يجب أن نكون
    جواميس تتأملُ أظلافها حتى يفرقع السوط
    نمشي ونحن نيام
    غفاة على البلاط المكسو بالبصاق والمحارم
    نرقد على بطوننا المضروبة بأسلاك الحديد
    ونشرب الشاي القاحلَ في هدوءٍ لعين
    وتمضي ذبابة الوجود الشقراء
    تخفقُ على طرف الحنجره
    كنا كنزاً عظيماً
    ومناهلَ سخيه بالدهن والبغضاء
    نتشاجرُ في المراحيض
    ونتعانق كالعشاق .
    . . .
    اعطني فمك الصغير يا ليلى
    اعطني الحلمةَ والمدية اننا نجثو
    نتحدثُ عن أشياء تافهه
    وأخرى عظيمة كالسلاسل التي تصرُّ وراء الأبواب
    موصدة .. موصدة هذه الأبواب الخضراء
    المنتعشة بالقذاره
    مكروهة صلده
    من غماماتِ الشوق الناحبة أمامها
    نتثاءبُ ونتقيأُ وننظر كالدجاجِ إلى الأفق
    لقد مات الحنان
    وذابت الشفقة من بؤبؤ الوحشِ الانساني
    القابعِ وراء الزريبه
    يأكل ويأكل
    وعلى الشفة السفلى المتدلية آثار مأساة تلوح
    أمي وأبي والبكاء الخانق
    آه ما أتعسني إلى الجحيم أيها الوطن الساكن في قلبي
    منذ اجيال لم أرَ زهره .
    . . .
    الليالي طويله والشتاءُ كالجمر
    يومٌ واحد
    وهزيمةٌ واحدة للشعب الأصفر الهزيل
    انني ألمس لحيتي المدبَّبه
    أحلم براحة الأرض وسطوح المنازل
    بفتاةٍ مراهقةٍ ألعقها بلساني
    السماء زرقاء
    واليد البرونزيةُ تلمس صفحة القلب
    الشفاهُ الغليظةُ تفرز الأسماء الدمويه
    وأنا مستلقٍ على قفاي
    لا أحدَ يزورني أثرثرُ كالأرمله
    عن الحرب ، والأفلام الخليعة ، ونكران الذات
    والخفير المطهَّم ، يتأمل قدميَ الحافيتين
    وقفتُ وراء الأسوار يا ليلى
    أتصاعد وأرتمي كأنني أجلس على نابض
    وقلبي مفعمٌ بالضباب
    ورائحة الأطفال الموتى
    إن أعلامنا ما زالت تحترقُ في الشوارع
    متهدلة في الساحات الضاربة إلى الحمره
    كنت أتساقط وأحلم بعينيك الجميلتين
    بقمصانك الورديه
    والهجير الضائع في قبلاتكِ الأخيره
    مرحباً بكِ ، بفمك الغامقِ كالجرح
    بالشامة الحزينة على فتحةِ الصدر
    أنا عبدٌ لك يا حبيبه
    ترى كيف يبدو المطر في الحدائق ؟
    ابتعدي كالنسيم يا ليلى
    يجب ألا تلتقي العيون
    هرم الانحطاطِ نحن نرفعه
    نحن نشكُّ راية الظلم في حلقاتِ السلاسل
    بالله لا تعودي
    شيءٌ يمزقني أن أراهم يلمسونك بغلظه
    أن يشتهوك يا ليلى
    سألكمُ الحديد والجباه الدنيئه
    سأصرخُ كالطفل وأصيح كالبغي
    عيناكِ لي منذ الطفولة تأسرانني حتى الموت .
    . . .
    انطفأَ الحلم ، والصقرُ مطاردٌ في غابته
    لا شيء يذكر
    إننا نبتسمُ وأهدابنا قاتمةٌ كالفحم
    هجعت أبكي أتوسَّل للأرض الميتة بخشوع
    أوّاه لِم زرتني يا ليلى ؟
    وأنت أشدُّ فتنةً من نجمة الشمال
    وأحلى رواءً من عناقيد العسل
    لا تكتبي شيئاً سأموتُ بعد أيام
    القلبُ يخفق كالمحرمه
    ولا تزال الشمس تشرق ، هكذا نتخيل
    إننا لا نراها
    على حافة الباب الخارجي
    ساقيةٌ من العشب الصغير الأخضر
    تستحمُّ في الضوء
    وثمة أحذية براقة تنتقل على رؤوس الأزهار
    كانت لامعة وتحمل معها رائحة الشارع ، ودور السينما
    كانت تدوس بحريه
    ووراء الباب الثالث
    يقومُ جدارٌ من الوهم والدموع
    جدار تنزلق من خلاله رائحة الشرق
    الشرق الذليل الضاوي في المستنقعات
    آه ، إنَّ رائحتنا كريهه
    إننا من الشرق
    من لك الفؤاد الضعيف البارد
    إننا في قيلولةٍ مفزعةٍ يا ليلى
    لقد كرهتُ العالم دفعة واحده
    هذا النسيجَ الحشريَ الفتاك
    وأنا أسير أمام الرؤوس المطرقة منذ شهور
    والعيون المبلَّلة منذ بدء التاريخ
    ماذا تثير بي ؟ لا شيء
    إنني رجلٌ من الصفيح
    أغنية ثقيلة حادة كالمياه الدفقه
    كالصهيل المتمرد على الهضبه .
    هضبة صفراء ميتة تشرق بالألم والفولاذ
    فيها أكثرُ من ألف خفقة جنونية
    تنتحبُ على العتبات والنوافذ
    تلتصقُ بأجنحة العصافير
    لتنقل صرخةَ الأسرى وهياج الماشيه
    من نافذة قصرك المهدمة ، ترينها يا ليلى
    مرعبة ، سوداء في منتصف الليل
    ومئات الأحضان المهجورة تدعو لفنائها
    وسقوطِ هامتها
    وردمها بالقشِّ والتراب والمكانس
    حتى لو قدِّر للدموع الحبيسة بين الصحراء والبحر
    أن تهدرَ أن تمشي على الحصى
    لازالتها تلك الحشرةُ الزاحفةُ إلى القلب
    بالظلم والنعاس يتلاشى كل أثر
    بالأنفاس الكريهه
    والأجساد المنطوية كالحلزونات
    بقوى الأوباش النائمة بين المراحيض
    سنبني جنينة للأطفال
    وبيوتاً نظيفه ، للمتسكعين وماسحي الأحذيه .
    . . .
    المحامي ليث وردة
    المحامي ليث وردة
    مشرف


    ذكر عدد الرسائل : 227
    العمر : 44
    مكان الإقامة : سلميــــــة :قصة الحب الأول والصوت الأول بعيداً عن شوارعها أصاب بالكساح وبدون رائحتها أصاب بالزكام
    تاريخ التسجيل : 11/10/2008

    جديد رد: شخصية الشهر ( محمد الماغوط)

    مُساهمة من طرف المحامي ليث وردة الأربعاء ديسمبر 24, 2008 10:39 pm


    أتى الليل في منتصف أيار
    كطعنةٍ فجائية في القلب
    لم نتحركْ
    شفاهنا مطبقةٌ على لحن الرجولة المتقهقر
    في المقصورات الداخلية ثمة عويل يختنق
    ثمة بساطة مضحكة في قبضة السوط
    الأنوارُ مطفأة .. لماذا ؟
    القمرُ يذهب إلى حجرته
    وشقائق النعمان تحترق على الاسفلت
    قشٌّ يلتهبُ في الممرات
    وصريرُ الحطب يئنُّ في زوايا خفيه
    آلاف العيون الصفراء
    تفتِّشُ بين الساعات المرعبة العاقة
    عن عاهرةٍ ، اسمها الانسانية
    والرؤوس البيضاء ، مليئة بالأخاديد
    يا رب تشرق الشمس ، يا إلهي يطلع النجم
    دعه يغني لنا إننا تعساء
    عذبْنا ما استطعت
    القملُ في حواجبنا
    وأنت يا ليلى لا تنظري في المرآة كثيراً
    أعرفك شهيةً وناضجه
    كوني عاقلة وإلا قتلتك يا حبيبه .
    . . .
    لتشرق الشمس
    لتسطع في إلية العملاق
    الحدأة فوق الجبل
    الغربةُ جميلةٌ ، والرياحُ الزرقاء على الوساده
    كانت لها رائحة خاصه
    وطعم جيفيّ حار ، دعه
    ملايين الابر تسبح في اللحم .
    . . .
    أين كنتَ يوم الحادثه ؟
    كنت ألاحقُ امرأةً في الط
    ريق يا سيدي
    طويلةً سمراء وذات عجيزة مدملجه
    إنني الوحيد الذي يمرُّ في الشارع دون أن يحييه أحد
    دعني لا أعرف شيئاً
    اطلقْ سراحي يا سيدي أبي مات من يومين
    ذاكرتي ضعيفه ، وأعصابي كالمسامير .
    . . .
    أنا مغرمٌ بالكسل
    بعدة نساءٍ على فراشٍ واحد
    الجريمة تعدو كالمهر البري
    وأنا مازلت ألعقُ الدم المتجمدَ على الشفة العليا
    مالحاً كان ، من عيوني يسيل
    من عيون أمي يسيل
    سطّحوه على الأرض
    الأشرعة تتساقط كالبلح
    لقد فات الأوان
    إنني على الأرض منذ أجيال
    أتسكع بين الوحوش والأسنان المحطمه
    أضربه على صدره إنه كالثور
    سفلَه ، دعني آكل من لحمه
    بشدةٍ كان الألم يتجه في ذراعي
    بشدة ، بشدة ، نحن عبيد يا ليلى
    كنت في تلك اللحظه
    أذوق طعم الضجيج الانساني في أقسى مراحله
    مئات السياط والأقدام اليابسه
    انهمرتْ على جسدي اللاهث
    وذراعي الممددة كالحبل
    كنت لا أميّزُ أيَّ وجهٍ من تلك الوجوه
    التي نصادفها في السوق والباصات والمظاهرات
    وجوهٌ متعطشةٌ نشوى
    على الصدر والقلب كان غزالُ الرعب يمشي
    بحيرة التماسيح التي تمرُّ بمرحلة مجاعه
    مجاعة تزدردُ حتى الفضيله
    والشعورَ الالهي المسوَّس
    لقد فقدنا حاسة الشرف
    أمام الأقدام العاريةِ والثياب الممزقه
    أمام السياط التي ترضعُ من لحم طفلةٍ بعمر الورد
    تجلد عاريةً أمام سيدي القاضي
    وعدة رجال ترشحُ من عيونهم نتانةُ الشبق
    والهياجُ الجنسي
    وجوه طويلة كقضبان الحديد
    تركتني وحيداً في غرفة مقفلةٍ ، أمضغ دمي
    وأبحث عن حقد عميق للذكرى .
    النجيع ينشدُّ على طرف اللسان
    والغرابُ ينهض إلى عشّه
    الألمُ يتجول في شتى الأنحاء
    والمغيص يرتفع كالموج حتى الهضبه
    كادت تنسحب من هذا النضال الوحشي
    من هذا المغيص المروع
    رأسي على حافة النافوره
    وماؤها الفضي يسيلُ حزينا على الجوانب
    من وراء المياه والمرمر
    يلوحُ شعرُ قاسيون المتطاير مع الريح
    وغمامةٌ من المقاهي
    والحانات المغرورقة بالسكارى
    تلوح بنعومة ورفقٍ عبر السهول المطأطئة الجباه
    لم يعد يورقُ الزيتون
    ولم تدرْ المعاصر ، كلهم أذلاء
    وأضلاعي تلتهبُ قرب البحيره
    إنها تسقي الزهور ، أنا عطشان يا سيدي
    في أحشاء الصحراء
    أنقذني يا قمر أيار الحزين .

    . . .
    استيقظي أيتها المدينة المنخفضه
    فتيانك مرضى ،
    نساؤك يجهضن على الأرصفه
    النهد نافر كالسكين
    أعطني فمك ، أيتها المتبرجةُ التي تلبس خوذه
    . . .
    بردى الذي ينساب كسهلٍ من الزنبق البلوري
    لم يعد يضحك كما كان
    لم أعد أسمع بائع الصحف الشاب
    ينادي عند مواقف الباصات
    الحرية منقوشةٌ على الظهر
    واللجام مليءٌ بالحموضه .
    ضعْ قدمك الحجريةَ على قلبي يا سيدي
    الريحُ تصفر على جليد المعسكرات
    وثمة رجل هزيل ، يرفع ياقته
    يشرب القهوه
    ويبكي كإمرأةٍ فقدت رضيعها
    دعْ الهواء الغريب
    يكنس أقواسَ النصر ، وشالات الشيوخ والراقصات
    إنهم موتى
    حاجز من الأرق والأحضان المهجوره
    ينبت أمام الخرائب والثياب الحمراء
    وفاه ذئابٍ القرون العائدة بلا شاراتٍ ولا أوسمه
    تشقَّ طريقها على الرمال البهيجة الحاره
    لا شيء يُذكر الأرض حمراء
    والعصافير تكسر مناقيرها على رخام القصر .
    وداعا ، وداعاً اخوتي الصغار
    أنا راحلٌ وقلبي راجعٌ مع دخان القطار .
    aleesnajem
    aleesnajem
    عضو ذهبي
    عضو ذهبي


    انثى عدد الرسائل : 57
    العمر : 33
    مكان الإقامة : salamia
    تاريخ التسجيل : 08/11/2008

    جديد رد: شخصية الشهر ( محمد الماغوط)

    مُساهمة من طرف aleesnajem السبت مارس 14, 2009 7:59 pm

    عن جد شي روعه
    ما بعرف شلون ما كنت عم اقرا للماغوط
    شكرا دكتور شادي على تعبك وبحد شجعتني اقرا للماغوط
    والقصائد اللي نزلهن المحامي ليث كمان حلوين
    شكرا إلكن
    أكتر شي حبيتو قصيدة سلميه
    lala
    lala
    عضوماسي
    عضوماسي


    انثى عدد الرسائل : 170
    العمر : 41
    مكان الإقامة : سلمية
    تاريخ التسجيل : 26/12/2008

    جديد رد: شخصية الشهر ( محمد الماغوط)

    مُساهمة من طرف lala السبت مارس 21, 2009 12:00 am

    رسالة الى القرية

    مع تغريد البلابل وزقزقة العصافير
    أناشدك الله ياأبي:
    دع جمع الحطب والمعلومات عني
    وتعال لملم حطامي من الشوارع
    قبل أن تطمرني الريح
    أو يبعثرني الكناسون
    هذا القلم سيوردني حتفي
    لم يترك سجنا الا وقادني اليه
    وأنا أتبعه كالمأخوذ
    كالسائر في حلمه

    *******

    في المساء ياأبي
    مساء دمشق البارد والموحش كأعماق المحيطات
    حيث هذا يبحث عن حانه
    وذاك عن مأوى
    أبحث أنا عن "كلمة"
    عن حرف أضعه إزاء حرف
    مثل قط عجوز
    يثب من جدار إلى جدار في قرية مهدمه
    ويموء بحثا عن قطته
    ولكن.. أو تظنني سعيدا يا أبي؟
    أبدا
    لقد حاولت مرارا وتكرارا
    أن أنفض هذا القلم من الحير
    كما ينفض الخنجر من الدم
    وأرحل عن هذه المدينة
    ولو على صهوة جدار
    ولكني فشلت
    إن قلمي يشم رائحة الحبر
    كما يشم الذكر رائحة الانثى
    ما أن يرى صفحة بيضاء
    حتى يتوقف مرتعشا
    كاللص أمام نافذة مفتوحة

    أنام ولا شئ غير جلدي على الفراش
    جمجمتي في السجون
    قدماي في الأزقة
    يداي في الأعشاش
    كسمكة "سانتياغو" الضخمه
    لم يبقى مني غير الأضلاع وتجاويف العيون
    فاقتلعني من ذاكرتك
    وعد الى محراثك وأغانيك الحزينه
    لقد تورطت يا أبي
    وغدا كل شئ مستحيلا
    كوقف التريف بالأصابع.
    ***********





    أفخر بأنني من سلمية
    المدينة التي أنجبت الماغوط

      مواضيع مماثلة

      -

      الوقت/التاريخ الآن هو الخميس مارس 28, 2024 12:09 pm