.........

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

    من وحي المسير الرياضي...إلى الغاب..

    avatar
    حيدر محمود حيدر
    عضو نشيط
    عضو نشيط


    ذكر عدد الرسائل : 26
    العمر : 82
    مكان الإقامة : سلمية
    تاريخ التسجيل : 05/01/2009

    من وحي المسير الرياضي...إلى الغاب.. Empty من وحي المسير الرياضي...إلى الغاب..

    مُساهمة من طرف حيدر محمود حيدر الأحد يونيو 07, 2009 5:54 pm

    من وحي المسير الرياضي.....إلى الغاب...
    عبر الطريق الجبلي،من بلدة عين الكروم،إلى بلدة عنّاب...
    عندما كنّا نهبط من علٍ ـ صديقي وأناـ بل نتدحرج من قمة هذا الجبل الشاهقة،نحو أسفل الوادي،حيث بلدة(عنّاب)التي تستند بخاصرتها الخضراءالمورفة الظلال،على كتف الجبل المكلل بالخضرة،وتزين حواشيه،وسفوحه،وآكامه،غابات عذراء،تجعلك تتسمّر في مكانك،وكأنك لاتريد لرؤاك أن تغادر رحلة الجمال والسحر،مرة وأنت تبترد من المياه الباردة والعذبة،وكأنها مياه الكوثر التي تتفجّر من خاصرة هذا الجبل الأشم،ومرة وأنت تنصب خيمة نظرك،فوق كلّ ربوة،بل كلّ كتلةمن كتله الصخرية،المخروطية،التي تفتح فمها بالعتاب،والنجوى،والهمس،متحدثة إلى شعاب صديقها الجبل العملاق،
    متسائلة عن سبب تركه لها وحيدة وغير ملتصقة بجذوره،وجدرانه الاستنادية الصامدة في وجه كلّ العوامل الطبيعية القاهرة.
    كان صديقنا الجبل لايغادر نظرنا بسحره وجماله،وكان يقف كالطود أمام كلّ من يريد قهره واجتيازه،كنّا ننحدرمن أعلاه إلى أسفله(كجلمود صخر حطّه السيل من عل) وننعطف في نزولنا ونتلوى في الطريق الجبلي الأفعواني المخضوضر، بل المسيّج بالخضرة، حتى أعلى ذروة فيه،وحتى الغيوم الصيفية البيضاء التي تلامس رؤوس قممه الخضراء والتي كانت تعبرها كحلم جميل.لقد كانت ذراعا هذا الطود الطويلتان،تصفقان للغيوم الشاردة في السماء،وتعانقان الخضرة والجمال وراء كلّ حنيّة ومنعطف على سفوحه،ووراء آكامه وفوق ذراه.عندما كنت وصديقي نمتع نفسينا بكلّ هذا السحر العذرواي لغاباته،وإرواء ظمأنا من مناهل ينابيعه الثرة،والتي لايمكن لزائر أو عابر بهذا المكان أن ينسى طعمها ومذاقها،وكم كنت أتمنّى أن يخيم الأصدقاء عندنبع منها،لنروي السريرة،ونريح النفس،وليعذب الحديث،ومع عذوبة المياه وبرودتها الطبيعية،تحلو أحاديث الود والصفاء في جلسة الأصدقاء،على نبع المودة والنقاء.
    وعندما كان يلفني وصديقي هذا السحر الأنثوي لأجمل غابة،وأعذب بلسم،وأطيب مذاق لمياهه،وهو يسقينا إياها من رضابه،ونرتشف مع قطراتها،شهد النحل وعسله المصفى.كلّ هذا الجمال الآخاذ لم ينسنا سحر المشهد المنبسط أمامنا،كان سهل الغاب يفرش ذراعيه ويبسط راحتيه على امتداد النظر؛وتعانقنا حقول القمح وقد حولّها موسم جني الغلال،إلى حقول تموج بسانبل ذهبية،آن قطافها،إنّه موسم مكافأة الفلاح المجد والمثابر،على عمله الدؤوب والصبور وهو يرعى غلاله حتى أينعت وأثمرت وحان موعد قطافها.ومع ذلك فإنّ شريط الخضرة الجبلي الذي عبرنا في مسيرنا كلّ دروبه،يلفّ هو أيضاً سهل الغاب بظلاله من طرفه الجنوبي حيث حدود منطقة مصياف،وحتى تخومه الشمالية، حيث منطقة جسر الشغور،إنّ خضرة الجبل تعانق خضرة السهل،ولكن ورغم سطوة الجبل وعلّوه الشاهق وجبروته،رغم كلّ ذلك تراه يلفّ بعباءته الخضراء سهوب وسهول الغاب المثمرة المعطاءة،ويحنو عليها،كما تحنو الأم على وليدها،فتحضنه بحنان ،وتضمه إلى صدرها الواجف وتعانقه عناق الحبيب الذي لايريد أن يفارق حبيبه.
    هذا جزء مما جاد به علي سحر المسير اليوم،وعندما كنت أهبط مع صديقي إلى قرية عناب،متأخرين عن ركب أصدقائنا،الذين سبقونا في مسيرهم باتجاه رتل الحافلات،وعندما رأينا موكب الحافلات،وعلى بعد أمتار منّا،أخذنا نولول ونصيح بأعلى صوت:قفوا..! انتظرونا..تمهلوا أيّها الأصدقاء..ولكن كان صدى صوتنا ضاع في جنبات الجبل وشعابه تارة،وتارة ثانية،عبر سهل الغاب المفروش أمامنا كبساط أصفر ومزركش بألوان الخضرة والظلال.كنت أنحدر وصديقي كجنديين خسر جيشهما معركة،وفرّت فلول الجيش المنهزم من ساح الوغى،وهي تجرّ وراءها ذيول الخيبة والهزيمة،وكنت أنا وصديقي آخررتل الفلول المنهزمة.نستغيث..!نطلب النجدة..!! لاأحد يجيب ،ولكن لماذا لانكون أنا وصديقي بقايا الجيش الذي رفض الهزيمة ورفض الاستسلام،والتسليم ؟؟.وظلّ صامداً،كبقاياجنود الجيش الياباني،الذين وجدوا في غابات اليابان الكثيفة،بعد انتهاء الحرب العالميّة الثانية،بين اليابان من جهة،وأمريكا من جهة ثانية،وعندما عثروا عليهم بعد مرور زمن طويل ،وجدوهم على أهبة الاستعداد،للتصدي للعدوّ ،ببنادقهم ولباسهم العسكري،ظناً منهم أنّ الحرب لم تضع أوزارها بعد ،بين وطنهم اليابان،وعدوتهم أمريكا.
    أيّها الأصدقاء كان يمكن في البداية،أن يكون هذا شعوري وصديقي،ولكن عندما غاب عن نظرنا رتل حافلات الجيش المسحوب،دون أن يتفقّد عناصره،ويبحث عن المفقودين،خاب أملنا وشعرنا بالإحباط والهزيمة كجندي فقد آخر خيط للأمل الذي قد يوصله بوحدته ورفاقه، رفاق ...!! بل أصدقاء المسير،وتابعت مع صديقي المسير، بل محاولة اللحاق بمن تركنا ونسينا،لانعلم لماذا؟ومن أجل ماذا؟وبعد فترة وجيزة،وبعد أن صرنانشقّ شوارع عناب،والسؤال يأكل لساننا،عند أيّ منعطف،أو عند أيّ مفترق ،ينتظرنا الأصدقاء؟؟ولكن عبثاً ضاع تساؤلنا في العراء،وذهبت آمالنا أدراج الرياح،وكأننا نركض وراء سراب في عنّاب..!!وخاصةـ ونحن نسير ـفجأة...عثرنا على صديق آخر ضائع مثلنا،ماذا أقول ضائع؟؟عفواً مهزوم..مندحر ..متراجع...يجرّ أذيال الخيبة،والحسرة على صحبة كانوا منذ ساعات قليلة ،أصدقاء المسير، فقد أثرهم كما فقدناه،وترافقنا سوية،أو قل جمعتنا المصيبة، وتوحدنا أمام الخطر المجهول؟هل سنعثر عليهم،؟؟كيف؟وأين؟لقد كان منظرنا أمام الناس، ونحن نوجه لهم السؤال،هل رأيتم مجموعة من الحافلات مرّت من هنا؟لقد كان موقفنا حرجاً بل مخجلا أمام الغرباء،ماذا نقول لهم؟كنا صحبة في مسير وأضعنا الطريق،أم نقول لهم إنّ أصدقاءناعبروا إلى الضفة الأخرى من النهر الرياضي،ولم يبق لنا قارب نعبر به،والآن ننتظر عودتهم لنجدتنا،هل يعقل أن يعبر صديق على شاطىء المسير الثاني، ويترك صديقه يعاني القلق والحيرة والضياع والتساؤل، لماذا؟؟ ومن أجل ماذا؟.
    وفجأة ونحن نتساءل عن وسيلة للحلّ،كيف نحاول الاتصال بصديق،يعطينا رقم أحد العابرين،؟؟قال الصديق المرافق:أنا معي عنوان أحدهم،وفوراً تكلّمنا سوية:
    اتصل، واعلم أين صار الآصدقاء؟اتصل الصديق،بصديق آخر، كان ٌقد عبر بقوارب النجاة إلى الضفة الأخرى،وكان جوابه لنا أشدّ خيبة ومرارة من ضياعنا،
    قال الصديق العابر نحو المجهول:اركبوا سيارة والحقوا بنا،فبالله عليكم، أليس هذا الجواب أشدّ مرارة من الضياع؟والانهزام والتقهقر!!أجيبوني وأنجدوني كما نجدنا عابر سبيل يركب سيارة(بيكآب)عطف علينا،وأشفق على حالنا،لأنّ أقدامنا لم تعد تحملنا،وصرنا نجرّها ببطء وثقل شديدين،بل أصبحنا نريد حملها،فتصوروا أيها الأصدقاء..!هل رأيتم رجلاً يحمل قدميه في مسير ميمون!؟!ويسير على دماغه؟!
    حملنا الرجل معه،صعد زميليي إلى صندوق السيارة الخلفي،وكأنهم أشفقوا على حالتي، وصعدت من الأمام بجانب الرجل،الذي ـ مشكوراًـ ودون أن نعرفه
    قام بتقديم المساعدة لنا،ولكنّه أخذ يستجوبني،من أين أنتم؟وأين كنتم؟ وعندما سمع قصتنا،طلب من صديقنا الجالس في الصندوق الخلفي للسيارة،أن يتصل ويطلب من أصدقاء المسير،أن يحددوا مكانهم،حتى يلحقنا بهم،لأننا نحن من اللاحقين،وهم من السابقين،فيارب!! أغث وأعن،من كان من الأولين،ومن سيلحق بهم من الآخرين..!تحدد المكان:(صيدلية ريم) عندها ينتظرنا الأصدقاء ،الذين ورغم الاتصالات المكثفة بهم،لم يكلفوا أنفسهم عناء العودة لنجدتنا،أو الانتظار لوصولنا.!أنزلنا الرجل من سيارته،وقال الصيدلية قريبة،تابعنا المسير على أقدام أجهدها ركوب سيارة الإسعاف؛ أكثر مما أراحها،ووصلنا، أو أوصلنا الطريق والسؤال على المكان المحدد(صيدليةريم).ويا للخيبة!!ويا لسخرية الأقدار!!لم نجد الأصدقاء في الانتظار، بالله عليكم في أيّ سفر من مزامير داوود؟قرأتم هذه الأخبار،وهل سمعتم بها في صحف اليوم ،على مائدة الإفطار؟إفطار..إفطار!!أيّ إفطار؟نسيناالطعام ،نسينا الكلام،وعاودنا السؤال والاتصال،بمن يغيثنا من العثرات والأهوال،ومعرفة أين نتجه؟ شمالاً..,جنوبا...ً،مرّ( سرفيس)،سألناه السؤال المعتاد،هل رأيت قادماً من الشمال نحو الجنوب؟؟أيةمساعدات أو إعانات،أوإغاثات أو إسعافات أو نجدات؟؟نفى الرجل,فصعدنا معه، ثم نزلنا،لأنّ صديقنا المنكوب معنا،كان قد اتصل،وجاءه الجواب :نحن نتوجه شمالا،فكان من الطبيعي أن ننزل من(السرفيس) الذي يتجه جنوباً،شمالاً..،جنوباً..، هل دختم معنا كما داخ صديقنا،العابر إلى محطة الانتظار!!؟؟.
    وفي هذه اللحظة وصلنا الفرج،ليس من كلّّالأصدقاءبل من أحدهم والذي جاء ملهوفاً، ووصلنا على جناح السرعة،ممتطياً صهوةدراجة ناريّة،خلف سائقها الشاب،حاول الصديق ، أن يدفع له الأجرة،فرفض الشاب،وشيم النخوة والأصالة تعلو محياه،وفعله هذا، أكّد مارسمه محيّاه من إغاثة الملهوف،وتلبية المحتاج،وبدأ عتاب ونقاش اختصره الصديق،عندما نصل ونجلس نتكلم،وكأنه أحسّ بشعورنا ومعاناتنا،فلم يرد{ أن يزيد الطين بلّة}والذي حدث عندما جلسنا واسترحنا لم نتعاتب،ولم نتجاذب أطراف الحديث معه،لافي هذا الموضوع ولاغيره،ولكن كان هجومنا شديداً على الأصدقاء المقرّبين، والذين يركبون معنا في نفس الحافلة،بسؤال لم يستطيعوا أن يجيبوا عليه،لماذا سمحتم للحافلة بمغادرة المكان؟؟،ونحن غير موجودين فيها،فكيف لو أننا نخوض وإياكم معركة؟؟،وجرحنا،هل تتركوننا في ساحتها ننزف،دون أن تسعفونا؟؟،فأجاب أحد الأصدقاء وكأنه أراد أن يخفّف من لهجة العتاب،ومرارة الحادثة،قائلاً:نطلق عليكم رصاصة الرحمة،وهولايقصد أن يجرحنا وإنما يقصد أن يواسينا،لذا ضحكنا جميعاًلجوابه،وتابعنا المشاركة في جوّ أفراح المسير،بالرقص والغناء،وشهيق رشفة الكأس،والزفير.والصراخ يجلجل في المكان،ثم يتلوه الصفير،إنّها لذكرى المسرّة في المسير،لاينساها الكبير ولا الصغير،لولا ما ألمّ النفس من سعير...!!؟؟
    وفي نهاية هذا المقال أقول:إنها خيبة للرياضيين، ونكسة لأصدقاء المسير، نتمنى أن لاتتكرّر، ولاتعاد ،ياأغلى الناس... !!يا أغلى العباد..!!
    ولا أريد أن أوجه اللوم لأحد،أوالعتاب لآخر،فضحكات الأصدقاء على طاولة الشراب،و وغناؤهم، ورقصاتهم التي ملأت أرجاء المقصف الذي جلسنا فيه،
    وخدمنا أنفسنا بأنفسنا،هي أغلى من أيّ لوم، أوعتاب،.وقد يسأل سائل:
    إذاً،لماذا هذا المقال الطويل،عن هذا المسير العليل؟؟أجيب: لقد وجدت في الموضوع مادة قصصية،أوخواطر نثرية، أكتبها من وحي المسير الرياضي لهذا الأسبوع،إلى الغاب،عبر الطريق الجبلي من (عين الكروم)إلى(عنّاب).أرجو أن ينال إعجابكم،لينسيني مع أصدقائي الذين عانوا معي لحظات الضياع،وألم المسير،ووجع العتاب.
    ( سلمية:الجمعة في /5/6/2009))
    (( الصديق:حيدر حيدر)) [/b

      مواضيع مماثلة

      -

      الوقت/التاريخ الآن هو الجمعة مارس 29, 2024 11:08 am