أحببت هذا المساهمة عن مصر لأنها تعبق بالحياة، عسى أن تشاركوني قراءتها.
اقفلت حقيبتي مسرعاً و توجهت نحو المطار متضايقاً , فأنا كالسمك لا استطيع العيش خارج بلادي .
ذهبت لمصر مجبراً بمهمة شخصية لي , و بعد رحلة طويلة أفقت من نومي و بشكل تلقائي توجهت مترنحاً نحو سلم الطائرة ,
أخبروني بالمطار ( مصر أم الدنيه و البيت بيتك أهلن بيك بمطار الاسكندرية الدولي ).
نظرت لارض المطار لاجد أناساً يهرعون و يسجدون و يقبلون أرض المطار ) , لم أكن راغباً بالسفر و تواقاً للعودة , و لكن شيئاً فشيئاً بدأت أتعلق بتلك البلاد الجميلة و أشتاق للعودة إليها , هناك يقولون للضيف: اشرب اشرب دي مية النيل , و اللي بيشرب من مية النيل لازم يرجع لمصر ولو بعد مية سنة .
ضحكت و تأملت في و جه قائلها , كان مصري تقفز السعادة من عينيه رغم فقره الشديد , متغضن الوجه و ملفوح بالشمس , كان سعيدأ جداً , تعمقت في وجه لأجد تاريخ عمره خمسة الالاف سنة . ذلك الرجل الفقير كم يشبه رعمسيس بملامحه , و التي حفظتها من تمثاله المنصوب في صالة المطار , أمعقول أن ذلك الرجل الباسم المتواضع سليل أسر الفراعنة , سليل من عبدهم البشر منذ فجر التاريخ و بنوا تلك الاهرام الهائلة , امعنت نظري في جبهته و عيناه السوداوين و يداه الكبيرة , بدأت أشعر بالهيبة و الخضوع يتدفقان في دمي منه .
كيف يأمن الاسرائيلي أن يثير غضب ذلك العملاق الفرعوني الاسمر ؟ , أن ينام و ذلك الشعب الهائل يحيط به من شعب مصر ؟
-هواء مصر ثقيل دافيء , و لا يمكن أن تجد في مصر بقعة واحدة تخلو من صخب الناس و احاديثهم الجميلة , و قد تفاجئني ضحكة عريضة بعيدة في الشارع أو قريبة من ساكن قريب لشقتي لتتنفض صمتي , ضحكة مصرية عفوية جميلة و لا يمكن أن تنطلق إلا من روح مصرية .
لا يمكن في مصر أن تشعر بالوحدة و حولك مئة مليون مصري , شعب عربي هائل يحمل في قلبه حماسة و عنفوان جارف كنهر النيل و غيرة عربية حارقة , حتى أكاد أقسم أن مايسير في عروقهم هو الاسيد الحار و لكنه حلو المذاق ممتلىء بخفة الدم و البساطة , و لابد أن تقبض عليك مصرية مهما حاولت الابتعاد في الظل ورفعت الاسوار , و تبدأ معك بالحديث , ويدفعها الفضول بعدما تخبرها العصفورة أني سوري .
حديث الفتاة المصرية الودي الرقيق يشعرك بأنك رجل , و ستجبرك على تناول ( كوباية شاي خمسينية ثقيلة ) ومعها لابد لك من الاسترسال بالحديث .
- ئول بسيطة مانستبسطهاش ..
-بسيطة مانسبتهاش. ( لم استطع قولها )
المصرية ( مبتسمة ) : يبأ لازم تشرب كوباية شاي تانية عشان تعرف تئولها .
كان الشاي حاراً ثقيلا من ماء النيل الحار الذي يذيب الصنابير و ممتلئاً برائحة مصر الغالية , فأشعر بالدوخة و الشفقة على نفسي منه , قوي الطعم حلو ككأس متل الفودكا الروسية . فأتخبط في نفسي و تلفحني اشعة شمس مصر الواهجة و الحنونة كأم شغوفة تربت على وليدها بعنف حريص , فاشعر و كأني أتحول لرجل لا أعرفه و كأني اخضع لتعديل جيني في مورثاتي .
نعم في مصر ستتحول لرجل اخر سواء رضيت أم لا ؟ في مصر لابد أن تكون على طبيعتك فالاقنعة لن تفيد شيئاً امام حنكة و خبرة الانسان المصري الاجتماعية .
اذا تحدثت بصدق و عفوية و على طبيعتك فستجد ان الكلمات تخرج منك مصرية و باللهجة المصرية المحببة .
في مصر تجد الاجانب من السواح الغربيين يتهافتون على مصر و يبكون عند وداعها للعودة الى مدن الضباب , و لا يندر ان تجد فتاة غربية جميلة كالقمر تجلس بجوار مصري و تحاول أن تجعله يتعلق بها , ذلك البدوي الاسمر ذو الكتفين الفرعونيتان , و الذي ينطق بصوت الالهة و مرسوم على جدران المعابد يمشي و يزرع و يأكل ويحارب !
و مصر جنة الفنون جميعها , التمثيل و الرسم و الرقص و حتى العلوم في مصر تتحول لفنون .
نظرت في المراة فوجد رجل لا اعرفه , فالمكوث في مصر طويلا و شرب مياه النيل قد يحولك ألى مصري و يذيبك في ذلك الشعب الجبار الحار .
وجهي كان منتفخ وملفوح بالشمس و تحول لون جلدي للون تراب مصر و حنطتها بدلا من شحوبي القديم و اعتلت على وجهي واثقة , ابتسامة ظننت انها انقرضت و تخلصت من مرض قديم منذ الطفولة و لم أعرف السبب .
عندما حان وقت الرحيل , شعرت أن مصر تلبس الحداد علي عند الغروب , نعم فمن سحر مصر أن تشعر كل راحل عنها أنها حزينة من اجله , و العصفورة تلك المخلوقة الخرافية في موروث المصريين و التي تنقل الاخبار بين العشاق و لاتهمس بالأسرار إلا للمصريين فيعرفون احوال بعضهم و اخبار رحيل ضيوفهم و يقولون : العصفورة ئالتلي , تلك العصفورة على مايبدو اخبرت جيراني اني راحل , و في مصر تشعر أنك بطل اسطوري مشهور يعرفه الجميع و ينتظر اخباره و ستفاجأ بأنك اصبحت معروفا في الوجه البحري كله .
قبضت جارتي المصرية على يدي و انا اتسلل للرحيل , فمصر تجعلك تشعر بالخجل عنما تهجرها كحبيبة تعلقت بك و رعتك اثناء مرضك الطويل ,نظرت في وجهي بعيونها الشديدة السواد و الواسعة كعيني حتشبسوت بعتاب متسامح .
ووضعت في يدي صرة صغيرة قائلة بابتسام ممتعض : مع السلامة يا معتصم بيه و متنساش انو ليك اخت هنا اسمها ريهام .
كنت اكره أسمي و لكن وجده جميلاً بلهجتها المصرية و بين شفتيها .
-اقلعت بي الطائرة و انا متعجب من تلك البلاد و مطمئن و سعيد أن ذلك الشعب عربي و تلك الارض عربية , تذكرت الصرة و عندما فتحت و جدت منديلا ورغيفأ و جبنة تركي - نوع من الجبنة المصرية - و زجاجة عصير خروب و شريط مسجلة كتب عليه انغام محمد علي .
وضعت الطعام جانباً غير راغباً فيه و طلبت من المضيفة اسماعي الشريط و كذلك الركاب في لا مبالاة و انحنيت براسي للخلف ضاحكاً و طالباً للنوم.
صدح صوت انغام في طائرة الخطوط السورية بأغنية كلماتها :
حاجات يمكن تغيب عنك
بسيطة و سهل معناها
لكن بزعل اوي منك
و انا شايفاك بتنساها :
بحبك
وحشتيني
انا اسف على التاخير
مليش غيرك يانور عيني
حاجات لازم تئولها كتير
امسكت رغيف الخبز و الجبنة و هممت بتناولها بينما ينظر لي الركاب و يبتسمون و قد طار النوم و اندفعت فجأة في جوفي نار الغربة الوحشة و الفراق رغم اني عائد لوطني !!!
منقول عن سيريانيوز.
اقفلت حقيبتي مسرعاً و توجهت نحو المطار متضايقاً , فأنا كالسمك لا استطيع العيش خارج بلادي .
ذهبت لمصر مجبراً بمهمة شخصية لي , و بعد رحلة طويلة أفقت من نومي و بشكل تلقائي توجهت مترنحاً نحو سلم الطائرة ,
أخبروني بالمطار ( مصر أم الدنيه و البيت بيتك أهلن بيك بمطار الاسكندرية الدولي ).
نظرت لارض المطار لاجد أناساً يهرعون و يسجدون و يقبلون أرض المطار ) , لم أكن راغباً بالسفر و تواقاً للعودة , و لكن شيئاً فشيئاً بدأت أتعلق بتلك البلاد الجميلة و أشتاق للعودة إليها , هناك يقولون للضيف: اشرب اشرب دي مية النيل , و اللي بيشرب من مية النيل لازم يرجع لمصر ولو بعد مية سنة .
ضحكت و تأملت في و جه قائلها , كان مصري تقفز السعادة من عينيه رغم فقره الشديد , متغضن الوجه و ملفوح بالشمس , كان سعيدأ جداً , تعمقت في وجه لأجد تاريخ عمره خمسة الالاف سنة . ذلك الرجل الفقير كم يشبه رعمسيس بملامحه , و التي حفظتها من تمثاله المنصوب في صالة المطار , أمعقول أن ذلك الرجل الباسم المتواضع سليل أسر الفراعنة , سليل من عبدهم البشر منذ فجر التاريخ و بنوا تلك الاهرام الهائلة , امعنت نظري في جبهته و عيناه السوداوين و يداه الكبيرة , بدأت أشعر بالهيبة و الخضوع يتدفقان في دمي منه .
كيف يأمن الاسرائيلي أن يثير غضب ذلك العملاق الفرعوني الاسمر ؟ , أن ينام و ذلك الشعب الهائل يحيط به من شعب مصر ؟
-هواء مصر ثقيل دافيء , و لا يمكن أن تجد في مصر بقعة واحدة تخلو من صخب الناس و احاديثهم الجميلة , و قد تفاجئني ضحكة عريضة بعيدة في الشارع أو قريبة من ساكن قريب لشقتي لتتنفض صمتي , ضحكة مصرية عفوية جميلة و لا يمكن أن تنطلق إلا من روح مصرية .
لا يمكن في مصر أن تشعر بالوحدة و حولك مئة مليون مصري , شعب عربي هائل يحمل في قلبه حماسة و عنفوان جارف كنهر النيل و غيرة عربية حارقة , حتى أكاد أقسم أن مايسير في عروقهم هو الاسيد الحار و لكنه حلو المذاق ممتلىء بخفة الدم و البساطة , و لابد أن تقبض عليك مصرية مهما حاولت الابتعاد في الظل ورفعت الاسوار , و تبدأ معك بالحديث , ويدفعها الفضول بعدما تخبرها العصفورة أني سوري .
حديث الفتاة المصرية الودي الرقيق يشعرك بأنك رجل , و ستجبرك على تناول ( كوباية شاي خمسينية ثقيلة ) ومعها لابد لك من الاسترسال بالحديث .
- ئول بسيطة مانستبسطهاش ..
-بسيطة مانسبتهاش. ( لم استطع قولها )
المصرية ( مبتسمة ) : يبأ لازم تشرب كوباية شاي تانية عشان تعرف تئولها .
كان الشاي حاراً ثقيلا من ماء النيل الحار الذي يذيب الصنابير و ممتلئاً برائحة مصر الغالية , فأشعر بالدوخة و الشفقة على نفسي منه , قوي الطعم حلو ككأس متل الفودكا الروسية . فأتخبط في نفسي و تلفحني اشعة شمس مصر الواهجة و الحنونة كأم شغوفة تربت على وليدها بعنف حريص , فاشعر و كأني أتحول لرجل لا أعرفه و كأني اخضع لتعديل جيني في مورثاتي .
نعم في مصر ستتحول لرجل اخر سواء رضيت أم لا ؟ في مصر لابد أن تكون على طبيعتك فالاقنعة لن تفيد شيئاً امام حنكة و خبرة الانسان المصري الاجتماعية .
اذا تحدثت بصدق و عفوية و على طبيعتك فستجد ان الكلمات تخرج منك مصرية و باللهجة المصرية المحببة .
في مصر تجد الاجانب من السواح الغربيين يتهافتون على مصر و يبكون عند وداعها للعودة الى مدن الضباب , و لا يندر ان تجد فتاة غربية جميلة كالقمر تجلس بجوار مصري و تحاول أن تجعله يتعلق بها , ذلك البدوي الاسمر ذو الكتفين الفرعونيتان , و الذي ينطق بصوت الالهة و مرسوم على جدران المعابد يمشي و يزرع و يأكل ويحارب !
و مصر جنة الفنون جميعها , التمثيل و الرسم و الرقص و حتى العلوم في مصر تتحول لفنون .
نظرت في المراة فوجد رجل لا اعرفه , فالمكوث في مصر طويلا و شرب مياه النيل قد يحولك ألى مصري و يذيبك في ذلك الشعب الجبار الحار .
وجهي كان منتفخ وملفوح بالشمس و تحول لون جلدي للون تراب مصر و حنطتها بدلا من شحوبي القديم و اعتلت على وجهي واثقة , ابتسامة ظننت انها انقرضت و تخلصت من مرض قديم منذ الطفولة و لم أعرف السبب .
عندما حان وقت الرحيل , شعرت أن مصر تلبس الحداد علي عند الغروب , نعم فمن سحر مصر أن تشعر كل راحل عنها أنها حزينة من اجله , و العصفورة تلك المخلوقة الخرافية في موروث المصريين و التي تنقل الاخبار بين العشاق و لاتهمس بالأسرار إلا للمصريين فيعرفون احوال بعضهم و اخبار رحيل ضيوفهم و يقولون : العصفورة ئالتلي , تلك العصفورة على مايبدو اخبرت جيراني اني راحل , و في مصر تشعر أنك بطل اسطوري مشهور يعرفه الجميع و ينتظر اخباره و ستفاجأ بأنك اصبحت معروفا في الوجه البحري كله .
قبضت جارتي المصرية على يدي و انا اتسلل للرحيل , فمصر تجعلك تشعر بالخجل عنما تهجرها كحبيبة تعلقت بك و رعتك اثناء مرضك الطويل ,نظرت في وجهي بعيونها الشديدة السواد و الواسعة كعيني حتشبسوت بعتاب متسامح .
ووضعت في يدي صرة صغيرة قائلة بابتسام ممتعض : مع السلامة يا معتصم بيه و متنساش انو ليك اخت هنا اسمها ريهام .
كنت اكره أسمي و لكن وجده جميلاً بلهجتها المصرية و بين شفتيها .
-اقلعت بي الطائرة و انا متعجب من تلك البلاد و مطمئن و سعيد أن ذلك الشعب عربي و تلك الارض عربية , تذكرت الصرة و عندما فتحت و جدت منديلا ورغيفأ و جبنة تركي - نوع من الجبنة المصرية - و زجاجة عصير خروب و شريط مسجلة كتب عليه انغام محمد علي .
وضعت الطعام جانباً غير راغباً فيه و طلبت من المضيفة اسماعي الشريط و كذلك الركاب في لا مبالاة و انحنيت براسي للخلف ضاحكاً و طالباً للنوم.
صدح صوت انغام في طائرة الخطوط السورية بأغنية كلماتها :
حاجات يمكن تغيب عنك
بسيطة و سهل معناها
لكن بزعل اوي منك
و انا شايفاك بتنساها :
بحبك
وحشتيني
انا اسف على التاخير
مليش غيرك يانور عيني
حاجات لازم تئولها كتير
امسكت رغيف الخبز و الجبنة و هممت بتناولها بينما ينظر لي الركاب و يبتسمون و قد طار النوم و اندفعت فجأة في جوفي نار الغربة الوحشة و الفراق رغم اني عائد لوطني !!!
منقول عن سيريانيوز.